كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)
وَقَالَ بَعْضُ الْجُهَّالِ: إِنَّهُ مَدَّ يَدَهُ حَتَّى عَبَرَ الْجَيْشُ عَلَى يَدِهِ بِخَيْبَرَ، وَإِنَّهُ قَالَ لِلْبَغْلَةِ: " قَطَعَ اللَّهُ نَسْلَكِ " فَانْقَطَعَ نَسْلُهَا. هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْبَيِّنِ ; فَإِنَّهُ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ بَغْلَةٌ، وَلَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ بَغْلَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا بَغْلَتَهُ الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ، وَذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، بَعْدَ أَنْ أَرْسَلَ إِلَى الْأُمَمِ، وَأَرْسَلَ إِلَى مُلُوكِ الْأَرْضِ (¬1) : هِرَقْلَ مَلِكِ الشَّامِ، وَإِلَى الْمُقَوْقِسِ مَلِكِ مِصْرَ، وَإِلَى كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ. وَأَرْسَلَ إِلَى مُلُوكِ الْعَرَبِ (¬2) مِثْلَ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ وَغَيْرِهِ.
وَأَيْضًا فَالْجَيْشُ لَمْ يَعْبُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى يَدِ عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ، وَالْبَغْلَةُ لَمْ تَزَلْ عَقِيمًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ تَلِدُ فَعَقِمَتْ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ دَعَا عَلَى بَغْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ تَعُمَّ الدَّعْوَةُ جِنْسَ الْبِغَالِ.
وَمِثْلُ هَذَا الْكَذِبِ الظَّاهِرِ قَوْلُ بَعْضِ الْكَذَّابِينَ: إِنَّهُ لَمَّا سُبِيَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَيْتِ حُمِلُوا عَلَى الْجِمَالِ عَرَايَا، فَنَبَتَتْ لَهُمْ سَنَامَاتٌ مِنْ يَوْمِئِذٍ، وَهِيَ الْبَخَاتِيُّ. وَأَهْلُ الْبَيْتِ لَمْ يُسْبَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا حُمِلَ أَحَدٌ مِنْ نِسَائِهِمْ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ، وَإِنَّمَا جَرَى هَذَا عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ بِسَبَبِ الرَّافِضَةِ، كَمَا قَدْ عَلِمَهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ.
بَلْ هَذَا الْكَذِبُ مِثْلُ كَذِبِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْحَجَّاجَ قَتَلَ الْأَشْرَافَ، وَالْحَجَّاجُ (¬3) لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، مَعَ ظُلْمِهِ وَفَتْكِهِ بِكَثِيرٍ مِنْ
¬_________
(¬1) ن، م، س: إِلَى مُلُوكِ الشَّامِ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.
(¬2) ن، م، س: مَلِكِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(¬3) وَالْحَجَّاجُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
الصفحة 104