كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)

وَكَذَلِكَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ قَدْ كُذِبَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى نُسِبَ إِلَيْهِ الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ النُّجُومِ وَالرُّعُودِ، وَالْبُرُوقِ وَالْقُرْعَةِ، الَّتِي هِيَ مِنَ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ، وَنُسِبَ إِلَيْهِ كِتَابُ " مَنَافِعِ سُوَرِ الْقُرْآنِ "، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ جَعْفَرًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَحَتَّى نُسِبَ إِلَيْهِ أَنْوَاعٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عَلَى طَرِيقَةِ الْبَاطِنِيَّةِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي كِتَابِ " حَقَائِقِ التَّفْسِيرِ "، فَذَكَرَ قِطْعَةً مِنَ التَّفَاسِيرِ الَّتِي هِيَ مِنْ تَفَاسِيرِهِ، وَهِيَ مِنْ بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَتَبْدِيلِ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْآيَاتِ بِغَيْرِ مُرَادِهِ (¬1) .
وَكُلُّ ذِي عِلْمٍ بِحَالِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ بَرِيئًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَالْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ فِي تَفْسِيرِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ.
وَكَذَلِكَ قَدْ نَسَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمُ الْكِتَابَ الَّذِي يُسَمَّى " رَسَائِلَ إِخْوَانِ الْكَدَرِ " (¬2) ، وَهَذَا الْكِتَابُ صُنِّفَ بَعْدَ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ ; فَإِنَّ جَعْفَرًا تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَهَذَا الْكِتَابُ صُنِّفَ فِي أَثْنَاءِ الدَّوْلَةِ الْعُبَيْدِيَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، لَمَّا اسْتَوْلَوْا عَلَى مِصْرَ، وَبَنَوْا (¬3) الْقَاهِرَةَ، صَنَّفَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْفَلْسَفَةِ وَالشَّرِيعَةِ وَالتَّشَيُّعِ، كَمَا كَانَ يَسْلُكُهُ هَؤُلَاءِ الْعُبَيْدِيُّونَ، الَّذِينَ كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مِنْ وَلِدَ عَلِيٍّ.
¬_________
(¬1) انْظُرْ عَنِ الْكُتُبِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي نُسِبَتْ إِلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُهُ فِيمَا مَضَى 2/464 - 465.
(¬2) م: الصَّفَا.
(¬3) س، ب: وَتَبَوَّءُوا.

الصفحة 11