كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)
وَهَذَا تَصْدِيقٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: " «لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: " فَمَنْ» " (¬1) .
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: " «لَتَأْخُذَنَّ أُمَّتِي مَأْخَذَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَارِسُ وَالرُّومُ؟ قَالَ: " وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا هَؤُلَاءِ» ؟ " (¬2) .
وَهَذَا بِعَيْنِهِ صَارَ فِي هَؤُلَاءِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى التَّشَيُّعِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةَ أَخَذُوا مِنْ مَذَاهِبِ الْفُرْسِ، وَقَوْلِهِمْ بِالْأَصْلَيْنِ: النُّورُ وَالظُّلْمَةُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ أُمُورًا، وَأَخَذُوا مِنْ مَذَاهِبِ الرُّومِ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ مَذْهَبِ الْيُونَانِ، وَقَوْلِهِمْ بِالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ أُمُورًا، وَمَزَجُوا هَذَا بِهَذَا، وَسَمُّوا ذَلِكَ بِاصْطِلَاحِهِمْ: السَّابِقَ وَالتَّالِيَ، وَجَعَلُوهُ هُوَ الْقَلَمَ وَاللَّوْحَ، وَأَنَّ الْقَلَمَ هُوَ الْعَقْلُ، الَّذِي يَقُولُ هَؤُلَاءِ: إِنَّهُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلُ، قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ، فَأَقْبَلَ. فَقَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ. فَقَالَ: وَعِزَّتِي مَا خَلَقْتُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْكَ، فَبِكَ آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي، وَبِكَ الثَّوَابُ، وَبِكَ الْعِقَابُ» .
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ فِي فَضَائِلِ الْعَقْلِ، كَدَاوُدَ بْنِ
¬_________
(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/628 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: " لَتَتَّبِعُنَّ. . .
(¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/365.
الصفحة 15
598