كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)

الْمُحَبَّرِ (¬1) وَنَحْوِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ كُذِبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ (¬2) ، لَكِنْ (¬3) لَمَّا وَافَقَ رَأْيَ هَؤُلَاءِ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى عَادَتِهِمْ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ يُنَاقِضُ مَذْهَبَهُمْ.
فَإِنَّ لَفْظَهُ " أَوَّلَ " بِالنَّصْبِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ " «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ» " أَيْ أَنَّهُ قَالَ لَهُ هَذَا الْكَلَامَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ خَلْقِهِ، فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ خَاطَبَهُ حِينَ خَلَقَهُ، لَا أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ ; وَلِهَذَا قَالَ فِي أَثْنَائِهِ: " «مَا خَلَقْتُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْكَ» " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ خَلَقَ قَبْلَهُ غَيْرَهُ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ " يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ "
¬_________
(¬1) س، ب: كَدَاوُدَ بْنِ الْمُحِبِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬2) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " 1/174 بَعْدَ أَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِأَسَانِيدِهِ الْمُخْتَلِفَةِ: " هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: الْفَضْلُ رَجُلُ سُوءٍ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَأَمَّا سَيْفٌ فَكَذَّابٌ بِإِجْمَاعِهِمْ " ثُمَّ رَوَى الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ 1/175 وَقَالَ: إِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ثُمَّ رَوَى (1/176) عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ قَوْلَهُ: إِنَّ كِتَابَ الْعَقْلِ وَضَعَهُ أَرْبَعَةٌ: أَوَّلُهُمْ: مَيْسَرَةُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، ثُمَّ سَرَقَهُ مِنْهُ دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ فَرَكَّبَهُ بِأَسَانِيدَ غَيْرِ أَسَانِيدِ مَيْسَرَةَ، ثُمَّ سَرَقَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ فَرَكَّبَهُ بِأَسَانِيدَ أُخَرَ، ثُمَّ سَرَقَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عِيسَى السِّجْزِيُّ فَأَتَى بِأَسَانِيدَ أُخْرَى. وَزَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ 1/177: " وَقَدْ رُوِيَتْ فِي الْعُقُولِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَثْبُتُ ". وَانْظُرْ أَيْضًا: اللَّآلِئَ الْمَصْنُوعَةَ لِلسُّيُوطِيِّ 1/129 - 130، الْمَقَاصِدَ الْحَسَنَةَ لِلسَّخَاوِيِّ، ص [0 - 9] 18، 134 ; تَنْزِيهَ الشَّرِيعَةِ لِابْنِ عِرَاقٍ الْكِنَانِيِّ 1/213 ; الْفَوَائِدَ الْمَجْمُوعَةَ لِلشَّوْكَانِيِّ، ص 476 ; تَذْكِرَةَ الْمَوْضُوعَاتِ لِلْفَتَنِيِّ، ص 29 - 30 ; كَشْفَ الْخَفَاءِ لِلْعَجْلُونِيِّ 1/236 - 237، 263، الْمَوْضُوعَاتِ لَعَلِيٍّ الْقَارِي، ص 27، 30، سِلْسِلَةَ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ لِلْأَلْبَانِيِّ 1/11. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي " مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ " 2/20 عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْمُحَبَّرِ. وَانْظُرْ " الصَّفَدِيَّةَ " 1/238 - 239.
(¬3) س، ب: وَلَكِنْ.

الصفحة 16