كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)

وَوُجُودُ هَذَا يَخُصُّهُ، لَكِنْ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ قَدْ يُمَاثِلُ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ، وَيَجُوزُ عَلَى أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْآخَرِ.
وَأَمَّا الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ، بَلِ التَّبَايُنُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ خَلْقِهِ فِي صِفَاتِهِ، أَعْظَمُ مِنَ التَّبَايُنِ الَّذِي بَيْنَ أَعْظَمِ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَحْقَرِهَا. وَأَمَّا الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الْعَامُّ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ، فَذَاكَ - كَمَا ذَكَرْنَا - لَا يُوجَدُ كُلِّيًّا إِلَّا فِي الذِّهْنِ.
وَإِذَا كَانَ الْمُتَّصِفَانِ بِهِ بَيْنَهُمَا نَوْعُ مُوَافَقَةٍ وَمُشَارَكَةٍ وَمُشَابَهَةٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَذَاكَ لَا مَحْذُورَ فِيهِ ; فَإِنَّهُ (¬1) مَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ مِنْ وُجُوبٍ وَجَوَازٍ وَامْتِنَاعٍ فَإِنَّ اللَّهَ مُتَّصِفٌ بِهِ، فَالْمَوْجُودُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْجُودٌ، أَوِ الْعَلِيمُ أَوِ الْحَيُّ، مَهْمَا قِيلَ: إِنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ وُجُوبٍ وَامْتِنَاعٍ وَجَوَازٍ، فَاللَّهُ مَوْصُوفٌ بِهِ، بِخِلَافِ وُجُودِ الْمَخْلُوقِ وَحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَخْلُوقُ مِنْ وُجُوبٍ وَجَوَازٍ وَاسْتِحَالَةٍ، كَمَا أَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يُوصَفُ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ الرَّبُّ مِنْ وُجُوبٍ وَجَوَازٍ وَاسْتِحَالَةٍ.
فَمَنْ فَهِمَ هَذَا انْحَلَّتْ عَنْهُ إِشْكَالَاتٌ كَثِيرَةٌ، يَعْثُرُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْأَذْكِيَاءِ، النَّاظِرِينَ فِي الْعُلُومِ الْكُلِّيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ، فَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالِهِمْ فِي الْوُجُودِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ عَنِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَهُوَ أَكْمَلُهَا فِي التَّعْطِيلِ وَالْإِلْحَادِ.
وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ: إِنَّهُ هُوَ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ (* بِالْقُيُودِ السَّلْبِيَّةِ
¬_________
(¬1) ب: فَإِنَّ.

الصفحة 31