كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)

فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ - وَغَيْرِهَا - أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي وَاجِبِ الْوُجُودِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ، لَا فِي الْخَارِجِ.
فَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَيَّدَهُ بِالْأُمُورِ الْعَدَمِيَّةِ.
وَلَهُمْ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ لَا (¬1) بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْكُلِّيَّ الطَّبِيعِيَّ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ إِلَّا مُعَيَّنًا، فَيَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ، وَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْمُعَيَّنَاتِ (¬2) ، فَيَكُونُ الْوُجُودُ الْوَاجِبُ الْمُبْدِعُ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ: إِمَّا عَرَضًا قَائِمًا بِالْمَخْلُوقَاتِ، وَإِمَّا جُزْءًا مِنْهَا، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ مُفْتَقِرًا إِلَى الْمُمْكِنِ عَرَضًا فِيهِ، أَوْ جُزْءًا مِنْهُ، بِمَنْزِلَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ فِي الْحَيَوَانَاتِ، لَا تَكُونُ هِيَ الْخَالِقَةَ لِلْحَيَوَانِ، وَلَا الْإِنْسَانِيَّةُ هِيَ الْمُبْدِعَةَ لِلْإِنْسَانِ ; فَإِنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ وَعَرَضَهُ لَا يَكُونُ هُوَ الْخَالِقَ لَهُ، بَلِ الْخَالِقُ مُبَايِنٌ لَهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ ; إِذْ جُزْؤُهُ وَعَرَضُهُ دَاخِلٌ فِيهِ، وَالدَّاخِلُ فِي الشَّيْءِ لَا يَكُونُ هُوَ الْمُبْدِعَ لَهُ كُلِّهِ (¬3) .
فَمَا وَصَفُوا بِهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ يَمْتَنِعُ مَعَهُ (¬4) أَنْ يَكُونَ خَالِقًا (¬5) لِشَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (¬6) .
¬_________
(¬1) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(¬2) عِبَارَةُ " وَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْمُعَيَّنَاتِ " سَاقِطَةٌ فِي (م) وَمَكَانُهَا بَيَاضٌ.
(¬3) م: كُلِّيًّا.
(¬4) م: مِنْهُ.
(¬5) ن، س جَاهِلًا، ب: جَاعِلًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬6) م: مَوَاضِعَ أُخَرَ.

الصفحة 40