كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)

وَأَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا يَأْخُذُونَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانُوا يَأْخُذُونَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَأْخُذُونَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَأْخُذُونَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ.
وَقَدِ انْتَفَعَ بِكُلٍّ مِنْهُمْ مَنْ نَفَعَهُ اللَّهُ، وَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، وَطَرِيقٍ وَاحِدَةٍ، وَسَبِيلٍ وَاحِدَةٍ، يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (¬1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَلَّغَهُمْ مِنَ الصَّادِقِينَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا قَبِلُوهُ، وَمَنْ فَهَّمَ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ (¬2) مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ اسْتَفَادُوهُ، وَمَنْ دَعَاهُمْ إِلَى الْخَيْرِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَجَابُوهُ.
وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَجْعَلُ شَيْخَهُ رَبًّا يَسْتَغِيثُ بِهِ، كَالْإِلَهِ الَّذِي يَسْأَلُهُ وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ، وَيَعْبُدُهُ وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغِيثُ بِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا. وَلَا كَالنَّبِيِّ الَّذِي تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ، فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ.
فَإِنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ دِينُ النَّصَارَى الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 31] .
وَكَانُوا مُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، لَا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، مُتَوَاصِينَ بِالْحَقِّ، مُتَوَاصِينَ بِالصَّبْرِ.
¬_________
(¬1) م: وَيُطِيعُونَ رَسُولَ اللَّهِ. . .
(¬2) س، ب: مِنَ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ.

الصفحة 48