كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)

وَأَبُو بَكْرٍ لَمَّا وَصَفَهُ بِالصَّحْبِهِ الْمُطْلَقَةِ الْكَامِلَةِ، وَوَصَفَهَا فِي أَحَقِّ (¬1) الْأَحْوَالِ أَنْ يُفَارِقَ الصَّاحِبُ فِيهَا صَاحِبَهُ، وَهُوَ حَالُ شِدَّةِ الْخَوْفِ، كَانَ هَذَا دَلِيلًا بِطَرِيقِ الْفَحْوَى عَلَى أَنَّهُ صَاحِبُهُ وَقْتَ النَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ صَاحِبُهُ فِي حَالِ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ، فَلَأَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ فِي حَالِ حُصُولِ (¬2) النَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ أَوْلَى وَأَحْرَى فَلَمْ يَحْتَجْ أَنَّ يَذْكُرَ صُحْبَتَهُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ وَالْحَالِ عَلَيْهَا.
وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ صَاحِبُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ عُلِمَ أَنَّ مَا حَصَلَ لِلرَّسُولِ مِنْ إِنْزَالِ السَّكِينَةِ وَالتَّأْيِيدِ بِإِنْزَالِ الْجُنُودِ الَّتِي لَمْ يَرَهَا النَّاسُ لِصَاحِبِهِ الْمَذْكُورِ فِيهَا أَعْظَمُ مِمَّا لِسَائِرِ النَّاسِ وَهَذَا مِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ بَيَانِهِ.
وَهَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 62] (¬3) ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ (¬4) [فِي قَوْلِهِ: (أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ] (¬5) إِنْ عَادَ إِلَى اللَّهِ، فَإِرْضَاؤُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِرْضَاءِ الرَّسُولِ، وَإِنْ عَادَ إِلَى الرَّسُولِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ (* إِرْضَاؤُهُ إِلَّا بِإِرْضَاءِ اللَّهِ، فَلَمَّا كَانَ إِرْضَاؤُهُمَا لَا يَحْصُلُ أَحَدُهُمَا إِلَّا مَعَ الْآخَرِ، وَهُمَا يَحْصُلَانِ بِشَيْءٍ *) (¬6) وَاحِدٍ، وَالْمَقْصُودُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ إِرْضَاءُ اللَّهِ وَإِرْضَاءُ الرَّسُولِ تَابِعٌ، وَحَّدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: {أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} ، وَكَذَلِكَ وَحَّدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} ; لِأَنَّ نُزُولَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ مُشَارَكَةَ الْآخَرِ لَهُ، إِذْ مُحَالٌ
¬_________
(¬1) ن، س: فِي حَقِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ
(¬2) س، ب: حُضُورِ
(¬3) م:. . أَنْ تُرْضُوهُ
(¬4) (4 - 4) : زِيَادَةٌ فِي (م)
(¬5) زِيَادَةٌ فِي (م)
(¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

الصفحة 491