كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)

وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَجُمْهُورُ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ. فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ (¬1) الْقُدُورِيُّ (¬2) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِتَالُ الْبُغَاةِ إِلَّا أَنْ يَبْدَأُوا بِالْقِتَالِ، وَأَهْلُ صِفِّينَ لَمْ يَبْدَأُوا عَلِيًّا بِقِتَالٍ.
وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ أَعْيَانِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ، وَأَعْيَانِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَمَالِكٍ وَأَيُّوبَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ وَأَنَّ تَرْكَهُ كَانَ خَيْرًا مِنْ فِعْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ قِتَالِ الْحَرُورِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ أَهِلِ النَّهْرَوَانِ، فَإِنَّ قِتَالَ هَؤُلَاءِ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَاءِ السُّنَّةِ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ «أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، وَقَالَ: " هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ "، قَالُوا لَا، قَالَ: " فَإِنِّي أَرَى (¬3) مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ» " (¬4) .
¬_________
(¬1) س، ب: يَذْكُرُهُ
(¬2) هُوَ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الْقُدُورِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 362 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 428 بِبَغْدَادَ، مِنْ أَئِمَّةِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَانَ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ، رَوَى عَنْهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ، وَمِنْ مُصَنَّفَاتِهِ الْمُخْتَصَرُ الْمَعْرُوفُ بِاسْمِهِ " الْقُدُورِيُّ " فِي فِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مَطْبُوعٌ انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْجَوَاهِرِ الْمُضِيَّةِ 1/93 - 94، تَاجِ التَّرَاجِمِ لِابْنِ قَطْلُوبُغَا (ط. الْمُثَنَّى، بَغْدَادَ، 1962) ص، تَارِيخِ بَغْدَادَ 4/377، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/60 - 61، الْأَعْلَامِ 1/206، سِزْكِينَ م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص 115 - 124.
(¬3) ن: لَأَرَى.
(¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/451.

الصفحة 523