كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)

فِيهِمْ خَلْقٌ لَمْ يُقَاتِلُوهُ أَلْبَتَّةَ، بَلْ تَرَكُوا قِتَالَهُ فَلَمْ يُقَاتِلُوهُ وَلَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ، فَكَانُوا صِنْفًا ثَالِثًا: لَا قَاتَلُوهُ (¬1) وَلَا قَاتَلُوا مَعَهُ وَلَا أَطَاعُوهُ، وَكُلُّهُمْ مُسْلِمُونَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى إِسْلَامِهِمُ الْقُرْآنُ وَالسَّنَةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9] ، فَوَصَفَهُمْ بِالْإِيمَانِ مَعَ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ إِخْوَةٌ (¬2) وَأَنَّ الْأُخُوَّةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا بَيْنَ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْحَسَنِ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " (¬3) فَأَصْلَحَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ عَسْكَرِ عَلِيٍّ وَعَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كِلَيْهِمَا مُسْلِمُونَ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمَا، وَيُثْنِي عَلَى (¬4) مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ كَانَ رِضًى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ (¬5) ، وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ رِضًى لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.
وَأَيْضًا فَالنَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الطَّائِفَتَيْنِ
¬_________
(¬1) ن، م: لَا قَاتَلُوا.
(¬2) ن، س: وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ إِخْوَةٌ.
(¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/539 - 540.
(¬4) س: وَبَيْنَ عَلِيٍّ، ب. وَأَثْنَى عَلَى.
(¬5) ن، س: رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

الصفحة 529