كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)

فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُ هَرَبَ قَبْلَ ذَلِكَ عِدَّةَ مِرَارٍ (¬1) فِي مَغَازِيهِ؟ ! .
الثَّانِي: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَهْرَبْ قَطُّ حَتَّى يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَنْهَزِمْ لَا هُوَ وَلَا عُمَرُ وَإِنَّمَا كَانَ عُثْمَانُ تَوَلَّى، وَكَانَ مِمَّنْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطُّ إِنَّهُمَا انْهَزَمَا مَعَ مَنِ انْهَزَمَ، بَلْ ثَبَتَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ السِّيرَةِ (¬2) ، لَكِنَّ بَعْضَ الْكَذَّابِينَ ذَكَرَ أَنَّهُمَا أَخَذَا الرَّايَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَرَجَعَا وَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْهِمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ فِي الْكَذِبِ وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا انْهَزَمَا [مَعَ مَنِ انْهَزَمَ] (¬3) ، وَهَذَا كَذِبٌ كُلُّهُ.
وَقَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ كَذِبٌ، فَمَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا هُوَ الْمُدَّعِي لِذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ ذَلِكَ بِنَقْلٍ يُصَدَّقُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى هَذَا فَأَيْنَ النَّقْلُ الْمُصَدَّقُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ هَرَبَ فِي غَزْوَةٍ وَاحِدَةٍ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ هَرَبَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ؟ ! .
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْجُبْنِ بِهَذِهِ الْحَالِ (¬4) لَمْ يَخُصُّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ أَصْحَابِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الْعَرِيشِ، بَلْ لَا يَجُوزُ اسْتِصْحَابُ مِثْلَ هَذَا فِي الْغَزْوِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ (* يَسْتَصْحِبَ مُنْخَذِلًا (¬5) وَلَا مُرْجِفًا، فَضْلًا عَنْ أَنَّ *) (¬6) يُقَدَّمُ (¬7) عَلَى سَائِرِ أَصْحَابِهِ، وَيَجْعَلَهُ مَعَهُ فِي عَرِيشِهِ.
¬_________
(¬1) م: مَرَّاتٍ
(¬2) س، ب: السِّيَرِ.
(¬3) مَعَ مَنِ انْهَزَمَ: زِيَادَةٌ فِي (م)
(¬4) س، ب: الْحَالَةُ.
(¬5) م: مَخْذُولًا.
(¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)
(¬7) ب: يُقَدِّمَهُ

الصفحة 536