كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)

كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ ابْنَ جُدْعَانَ مَاتَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا فِي الْإِسْلَامِ فَكَانَ لِأَبِي قُحَافَةَ مَا يُعِينُهُ وَلَمْ يُعْرَفْ قَطُّ أَنَّ أَبَا قُحَافَةَ كَانَ يَسْأَلُ النَّاسَ وَقَدْ عَاشَ أَبُو قُحَافَةَ إِلَى أَنْ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَوَرِثَ السُّدُسَ فَرَدَّهُ عَلَى أَوْلَادِهِ لِغِنَاهُ عَنْهُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحْتَاجًا لَكَانَ الصِّدِّيقُ يَبَرُّهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَقَدْ كَانَ الصِّدِّيقُ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَةٍ بَعِيدَةٍ، وَكَانَ مِمَّنْ تَكَلَّمُ (¬1) فِي الْإِفْكِ، فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ} إِلَى قَوْلِهِ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ النُّورِ: 22] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَأَعَادَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ، وَالْحَدِيثُ بِذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬2)
وَقَدِ اشْتَرَى بِمَالِهِ سَبْعَةً مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ، وَلَمَّا هَاجَرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَصْحَبَ مَالَهُ فَجَاءَ أَبُو قُحَافَةَ، وَقَالَ لِأَهْلِهِ: ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ بِنَفْسِهِ فَهَلْ تَرَكَ مَالَهُ عِنْدَكُمْ أَوْ أَخَذَهُ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَقُلْتُ: بَلْ تَرَكَهُ، وَوَضَعْتُ فِي الْكُوَّةِ شَيْئًا، (* وَقُلْتُ: هَذَا هُوَ الْمَالُ لِتَطِيبَ نَفْسِهِ أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لِعِيَالِهِ، وَلَمْ يَطْلُبْ أَبُو قُحَافَةَ مِنْهُمْ شَيْئًا *) (¬3) ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى غِنَاهُ.
¬_________
(¬1) ن، س، ب: يَتَكَلَّمُ.
(¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 3/173 - 176 (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، بَابُ تَعْدِيلِ النِّسَاءِ بِعْضِهِنَّ بَعْضًا) ، 6/101 - 105 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النُّورِ، بَابُ: لَوْلَا إِذَ سَمِعْتُمُوهُ. . .) ، 8/138 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ، بَابُ الْيَمِينِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَفِي الْمَعْصِيَةِ وَفِي الْغَضَبِ) مُسْلِمٍ 4/2129 - 2137 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابٌ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ) الْمُسْنَدِ (ط الْحَلَبِيِّ) 6/194 - 198.
(¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

الصفحة 542