كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)

فَجَعَلُوهُ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ، وَمِنْهُ مَا يُحْكَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ كَلَامٌ حَقٌّ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، وَلَكِنْ هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ.
وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ " الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ " لِلْجَاحِظِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ كَلَامٌ مَنْقُولٌ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ، وَصَاحِبُ " نَهْجِ الْبَلَاغَةِ " يَجْعَلُهُ عَنْ عَلِيٍّ.
وَهَذِهِ الْخُطَبُ الْمَنْقُولَةُ فِي كِتَابِ " نَهْجِ الْبَلَاغَةِ " لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ كَلَامِهِ ; لَكَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ هَذَا الْمُصَنَّفِ، مَنْقُولَةً عَنْ عَلِيٍّ بِالْأَسَانِيدِ وَبِغَيْرِهَا. فَإِذَا عَرَفَ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِالْمَنْقُولَاتِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا - بَلْ أَكْثَرَهَا - لَا يُعْرَفُ قَبْلَ هَذَا، عُلِمَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ، وَإِلَّا فَلْيُبَيِّنِ النَّاقِلُ لَهَا فِي أَيِّ كِتَابٍ ذُكِرَ ذَلِكَ؟ وَمَنِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ؟ وَمَا إِسْنَادُهُ؟ وَإِلَّا فَالدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةُ لَا يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ.
وَمَنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِمَعْرِفَةِ طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمَعْرِفَةِ الْآثَارِ وَالْمَنْقُولِ بِالْأَسَانِيدِ، وَتَبَيُّنِ صِدْقِهَا مِنْ كَذِبِهَا، عَلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْقُلُونَ مِثْلَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْمَنْقُولَاتِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا.

[فصل نقل الرافضي قول علي سلوني قبل أن تفقدوني والرد عليه]
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " وَقَالَ (¬2) : سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، سَلُونِي عَنْ طُرُقِ السَّمَاءِ ; فَإِنِّي أَعْلَمُ بِهَا مِنْ طُرُقِ الْأَرْضِ ".
¬_________
(¬1) فِي (ك) ص 180 (م) .
(¬2) ك: وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

الصفحة 56