كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)
وَأُجْرَةُ مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِحَمْلِ الْخَمْرِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، عَلَى أَظْهَرِ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ.
فَإِنَّ مَنِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مُحَرَّمَةً بِعِوَضِهَا، كَالَّذِي يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ بِالْجُعْلِ، أَوْ يَسْتَمِعُ الْمَلَاهِيَ بِالْجُعْلِ، أَوْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ بِالْجُعْلِ، إِنْ أُعِيدَ إِلَيْهِ جُعْلُهُ بَعْدَ قَضَاءِ غَرَضِهِ، فَهَذَا زِيَادَةٌ فِي إِعَانَتِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَإِنْ كَانَ يَطْلُبُهَا بِالْعِوَضِ، فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُ هِيَ وَالْعِوَضُ كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي إِعَانَتِهِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَإِنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَالْمُؤَجِّرِ كَانَ قَدْ أُبِيحَ لَهُ الْعِوَضُ الْخَبِيثُ، فَصَارَ مَصْرُوفُ (¬1) هَذَا الْمَالِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
وَعُمَرُ إِمَامٌ عَدْلٌ، فَكَانَ قَدْ رَأَى أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْمَهْرِ الشَّرْعِيِّ يَكُونُ هَكَذَا، فَعَارَضَتْهُ امْرَأَةٌ وَقَالَتْ: لِمَ تَمْنَعْنَا شَيْئًا أَعْطَانَا اللَّهُ إِيَّاهُ فِي كِتَابِهِ؟ فَقَالَ: وَأَيْنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 20] ، وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: أَمِنْكَ نَسْمَعُ أَمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: بَلْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. فَقَرَأَتْ عَلَيْهِ الْآيَةَ ; فَقَالَ: رَجُلٌ أَخْطَأَ وَامْرَأَةٌ أَصَابَتْ (¬2) .
¬_________
(¬1) ب: مَصْرِفُ.
(¬2) ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِآيَةِ 20 مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ (ط. الشَّعْبِ 2/212 - 213) وَأَشَارَ إِلَى رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ لِلْحَدِيثِ وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ مُنَاقَشَةِ الْمَرْأَةِ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ رَوَى الْخَبَرَ كَامِلًا وَفِيهِ اعْتِرَاضُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ بَعْدَهُ: " إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ " ثُمَّ ذَكَرَ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ لِهَذَا الْأَثَرِ. وَالْأَثَرُ مِنْ غَيْرِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ 285، 287، 340، وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْتَدْرَكِ وَالسُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ (انْظُرْ تَعْلِيقَ أَحْمَدَ شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - 2/277 - 278) . وَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ 4/74 (ت 4) .
الصفحة 63