كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)
وَكَانَ حَالُ رَسُولِ اللَّهِ أَكْمَلَ مِنْ حَالِهِ، وَمَقَامُهُ أَعْلَى مِنْ مَقَامِهِ. وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ - كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ - أَنَّ حَالَ أَبِي بَكْرٍ أَكْمَلَ (¬1) - نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - وَلَا نَقْصَ فِي اسْتِغَاثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَتَكَلَّمَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِخَطَلٍ مِنَ الْقَوْلِ مَرْدُودٍ عَلَى مَنْ قَالَهُ، بَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ - جَامِعًا كَامِلًا، لَهُ مِنْ كُلِّ مَقَامٍ ذُرْوَةُ سَنَامِهِ وَوَسِيلَتُهُ، فَيَعْلَمُ أَنَّ الِالْتِفَاتَ إِلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ، وَمَحْوَ الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابَ قَدْحٍ فِي الْعَقْلِ، وَالْإِعْرَاضَ عَنِ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي الشَّرْعِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَ الْمُشْرِكِينَ وَيُقِيمَ الدِّينَ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَادِهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَتَحْرِيضِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الِاسْتِنْصَارَ بِاللَّهِ وَالِاسْتِغَاثَةَ بِهِ وَالدُّعَاءَ لَهُ فِيهِ أَعْظَمُ الْجِهَادِ وَأَعْظَمُ الْأَسْبَابِ فِي تَحْصِيلِ الْمَأْمُورِ وَدَفْعِ الْمَحْذُورِ.
وَلِهَذَا كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ (¬2) ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ - وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ - أَخْبَرَ (¬3) أَصْحَابَهُ بِمَصَارِعِهِمْ، وَقَالَ: " هَذَا مَصْرَعُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهَذَا مَصْرَعُ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهَذَا مَصْرَعُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَهَذَا مَصْرَعُ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ،
¬_________
(¬1) س، ب: أَكْبَرَ.
(¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَوَّلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ وَيَقُولُ: " هَلْ تُنْصَرُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ". انْظُرْ مَا سَبَقَ 4/483.
(¬3) ن، م: قُرَيْشٌ وَقَدْ خَرَجَ وَأَخْبَرَ.
الصفحة 80