كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)
[فصل الشجاعة إنما فضيلتها في الدين لأجل الجهاد في سبيل الله]
(فَصْلٌ)
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الشَّجَاعَةَ إِنَّمَا فَضِيلَتُهَا فِي الدِّينِ لِأَجْلِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِلَّا فَالشَّجَاعَةُ إِذَا لَمْ يَسْتَعِنْ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَانَتْ: إِمَّا وَبَالًا عَلَيْهِ إِنِ اسْتَعَانَ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى طَاعَةِ الشَّيْطَانِ، وَإِمَّا غَيْرَ نَافِعَةٍ لَهُ إِنِ اسْتَعْمَلَهَا فِيمَا لَا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
فَشَجَاعَةُ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ، وَخَالِدٍ وَأَبِي دُجَانَةَ، وَالْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي طَلْحَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ شُجْعَانِ الصَّحَابَةِ - إِنَّمَا صَارَتْ مِنْ فَضَائِلِهِمْ لِاسْتِعَانَتِهِمْ بِهَا عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; فَإِنَّهُمْ بِذَلِكَ اسْتَحَقُّوا مَا حَمِدَ اللَّهُ بِهِ الْمُجَاهِدِينَ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجِهَادَ مِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْقِتَالِ بِالْيَدِ (¬1) ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ وَالدَّعْوَةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 51، 52] ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُجَاهِدَ الْكُفَّارَ بِالْقُرْآنِ جِهَادًا كَبِيرًا (¬2) ، وَهَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ، (* وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْجِهَادُ (¬3) بِالْعِلْمِ وَالْقَلْبِ وَالْبَيَانِ وَالدَّعْوَةِ لَا بِالْقِتَالِ *) (¬4) . وَأَمَّا الْقِتَالُ فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّدْبِيرِ وَالرَّأْيِ،
¬_________
(¬1) بِالْيَدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)
(¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(¬3) ن، م، س: وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا قِتَالُ الْجِهَادِ. . .
(¬4) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
الصفحة 86