كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)

بَقِيَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَهُوَ الطَّعْنُ وَالضَّرْبُ وَالْمُبَارَزَةُ، فَوَجَدْنَاهُ أَقَلَّ مَرَاتِبِ الْجِهَادِ بِبُرْهَانٍ ضَرُورِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا شَكَّ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ فِي أَنَّهُ الْمَخْصُوصُ بِكُلِّ فَضِيلَةٍ، فَوَجَدْنَا جِهَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا كَانَ فِي أَكْثَرِ أَعْمَالِهِ وَأَحْوَالِهِ بِالْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّدْبِيرِ وَالْإِرَادَةِ (¬1) ، وَكَانَ أَقَلَّ عَمَلِهِ الطَّعْنُ وَالضَّرْبُ وَالْمُبَارَزَةُ، لَا عَنْ جُبْنٍ، بَلْ كَانَ أَشْجَعَ أَهْلِ الْأَرْضِ قَاطِبَةً نَفْسًا وَيَدًا، وَأَتَمَّهُمْ نَجْدَةً، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُؤْثِرُ الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَيُقَدِّمُهُ (¬2) وَيَشْتَغِلُ بِهِ، وَوَجَدْنَاهُ (¬3) يَوْمَ بَدْرٍ - وَغَيْرَهُ - كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ لَا يُفَارِقُهُ، إِيثَارًا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِذَلِكَ، وَاسْتِظْهَارًا بِرَأْيِهِ فِي الْحَرْبِ، وَأُنْسًا بِمَكَانِهِ، ثُمَّ كَانَ عُمَرُ رُبَّمَا شُورِكَ (* فِي ذَلِكَ، وَقَدِ انْفَرَدَ بِهَذَا الْمَحَلِّ دُونَ عَلِيٍّ، وَدُونَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، إِلَّا فِي النُّدْرَةِ.
ثُمَّ نَظَرْنَا مَعَ ذَلِكَ فِي *) (¬4) هَذَا الْقِسْمِ مِنَ (¬5) الْجِهَادِ، الَّذِي هُوَ الطَّعْنُ وَالضَّرْبُ (¬6) وَالْمُبَارَزَةُ، فَوَجَدْنَا عَلِيًّا لَمْ يَنْفَرِدْ بِالسُّيُوفِ (¬7) فِيهِ، بَلْ قَدْ شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ شَرِكَةَ الْعِيَانِ (¬8) ، كَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ، وَمَنْ (¬9) قُتِلَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، كَحَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمُصْعَبِ بْنِ
¬_________
(¬1) الْفَصْلُ: وَالْإِدَارَةِ.
(¬2) الْفَصْلُ: قَدَّمَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
(¬3) ن، م، س: وَوَجَدْنَا.
(¬4) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(¬5) ن، س، ب: فِي.
(¬6) ن، س، ب: الضَّرْبُ وَالطَّعْنُ.
(¬7) الْفَصْلُ: بِالْبُسُوقِ.
(¬8) م، الْفَصْلُ: الْعِنَانِ.
(¬9) الْفِصَلَ: وَمِمَّنْ. . .

الصفحة 88