كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 8)

فَارَقَهُ وَرَجَعَ عَنْ جُمَلِ (¬1) مَذْهَبِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُصُولِ مَذْهَبِهِ، لَكِنَّهُ خَالَفَهُ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ، وَسَلَكَ فِيهَا طَرِيقَةَ ابْنِ كُلَّابٍ، وَخَالَفَهُمْ فِي الْقَدَرِ وَمَسَائِلِ الْإِيمَانِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ، وَنَاقَضَهُمْ فِي ذَلِكَ، أَكْثَرَ مِنْ مُنَاقَضَةِ حُسَيْنٍ النَّجَّارِ وَضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو، وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ هُوَ مُتَوَسِّطٌ فِي هَذَا الْبَابِ، كَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، حَتَّى مَالَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ جَهْمٍ، وَخَالَفَهُمْ فِي الْوَعِيدِ، وَقَالَ بِمَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ، وَانْتَسَبَ إِلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَمْثَالِهِ، وَبِهَذَا اشْتُهِرَ عِنْدَ النَّاسِ.
فَالْقَدْرُ الَّذِي يُحْمَدُ مِنْ مَذْهَبِهِ، (* هُوَ مَا وَافَقَ فِيهِ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، كَالْجُمَلِ الْجَامِعَةِ. وَأَمَّا الْقَدْرُ الَّذِي يُذَمُّ مِنْ مَذْهَبِهِ، فَهُوَ مَا وَافَقَ فِيهِ الْمُخَالِفِينَ لِلسُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُرْجِئَةِ، وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَخَذَ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَنْ *) (¬2) زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى السَّاجِيِّ بِالْبَصْرَةِ (¬3) ، وَعَنْ طَائِفَةٍ بِبَغْدَادَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَذَكَرَ فِي الْمَقَالَاتِ مَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، وَقَالَ (¬4) : " بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ نَقُولُ، وَإِلَيْهِ نَذْهَبُ ".
¬_________
(¬1) ن، م: حَمْلِ.
(¬2) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(¬3) أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَدِيٍّ الضَّبِّيُّ الْبَصْرِيُّ السَّاجِيُّ، مُحَدِّثُ الْبَصْرَةِ فِي عَصْرِهِ، كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ، وُلِدَ سَنَةَ 220 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 307. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/299 - 301، الْأَعْلَامِ 3/81.
(¬4) فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/325.

الصفحة 9