كتاب مسند أبي يعلى - ت السناري (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------
= ومثل هذا في "الإرشاد" [٢/ ٤٨٧]، للخليلى؛ وأخرج أبو نعيم أيضًا في "الحلية" [٧/ ١٥١]، بسند صحيح إلى ابن مهدى قال: "قال شعبة: لم أداهن إلا في هذا الحديث، قال شعبة: قال قنادة: قال أنس: "لتسوون صفوفكم" فلم يوقفه عليه: سمعت أم لا؟! كرهت أن يفسد على من جودة الحديث، وقال شعبة: ما سمعت من رجل حديثًا حتى قال للذى فوقه: سمعته منه؛ إلا حديثًا واحدًا".
قلتُ: فيستفاد من هذه النقول ثلاثة أمور مهمة:
الأول: أن رواية شعبة عن أي مدلس على وجه الأرض محمولة على السماع أبدًا وإن عنعن ذلك المدلس، ودليل هذا هو ذلك الأثر الأخير من قول شعبة عند أبى نعيم في "الحلية" وقد تكلمنا عليه في ذيل الحديث [رقم ١٧٣٢]، فراجعه.
والثانى: أن الحديث الوحيد الذي داهن فيه شعبة، ولم يسأل فيه شيخه: "هل سمعته ممن فوقك أم لا؟! " هو ذاكم الحديث، وإنما داهن فيه شعبة لأمرين:
الأوَّل: أنه أعجبه جودته جدًّا.
والثانى: أنه خشى إن أوقف قتادة عليه فائلًا له: "هل سمعته من أنس؟! " أن يسكت قتادة مغضبًا، أو يقول له: "لم أسمعه" فيفسد عليه حلاوة الحديث، وربما فعل معها ما فعله حميد الطويل لما ضايقه شعبة، وأوقفه على حديث رواه عن أنس: "هل سمعنه من أنس؟! " فقال له حميد: "فيما أحسب" فولَّى شعبة عنه وأشار بأصابعه: "لا أريده" فلما ذهب قال حميد: "سمعته من أنس كذا وكذا مرة، ولكننى أحببت أن أفسده عليه" وفى رواية قال حميد: "قد سمعته من أنس؛ ولكنه شدد عليَّ؛ فأحببت أن أشدد عليه" راجع "كامل ابن عدى" [٢/ ٢/ ٢٦٨]، و"ضعفاء العقيلى" [١/ ٢٦٦]، ترجمة (حميد الطويل) وكذا "الجامع" للخطيب [٢/ ٤٦]، و"تهذيب الكمال" [٧/ ٣٦٠].
والثالث: أن هذا الحديث ليس فيه أن قتادة لم يسمعه من أنس، بل إنما خشى شعبة من احتمال ذلك فقط، قال الحافظ في "الفتح" [٢/ ٢٠٩]: "ولم أره عن قتادة إلا معنعنًا، ولعل هذا هو السر في إيراد البخارى لحديث أبى هريرة معه في الباب؛ تقوية له".
قلتُ: قد قلنا غير مرة بأن رواية المدلس المعنعنة محمولة على الاتصال عن شيخه أبدًا ما لم يظهر خلاف ذلك؛ شريطة أن يكون هذا الشيخ ممن أكثر عنه ذلك المدلس أو عُرِفَ بملازمته؛ =

الصفحة 633