كتاب مسند أبي يعلى - ت السناري (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------
= قلتُ: وخالف هؤلاء جميعًا: طائفة أخرى، فحسَّن له الترمذى هذا الحديث، ووثقه أبو زرعة وابن حبان، والناهض عندى هو قول الجماعة عنه، أما تحسين الترمذى لحديثه، فالظاهر أنه يريد المتن، فإنه قال: "هذا حديث حسن"؛ فلعل للمتن ما يشهد له عند الترمذى مما لم نكتف عليه بعد، وإلا فالترمذى فيه تساهل معروف، أما توثيق ابن حبان، فلا يقبل منه أصلًا؛ لما علم من فاحش تساهله في توثيق هذه الطبقة، فلم يبق إلا توثيق أبى زرعة الرازى، وهو إمام حافظ متقن من رجالات هذا الفن بلا شك، وهو ممن لا يوثق الرواى إلا بعد استقراء جملة من حديثه ومروياته وعرضها على مرويات الثقات.
ومثل أبى زرعة لا يوصف بالتساهل ولا نوع تساهل أصلًا، لكن يقال: لعله قصَّر في نظرته لعوسجة، فصاحبه أبو حاتم يقول عنه: "ليس بالمشهور"، وشيخه أحمد يقول عن عوسجة، "لا أعرفه" كما نقله عنه الإمام في "الإرواء" [٦/ ١١٤]، من "مسائل أبى داود" [رقم ٢١٩]، وليس عوسجة من المكثرين من الرواية؛ بل ليس له منها إلا القليل جدًّا، وكلها من طريق عمرو بن دينار عنه، إذ لم يرو عنه أحد سواه، وقد وقفتُ له على رواية منكرة جدًّا يرويها عن ابن عباس مرفوعًا، راجع الكلام عليها في "الضعيفة" [٢/ ١٥٨] للإمام.
ورأيته قد عاد في تلك الرواية المنكرة، ورواها عنه عمرو بن دينار مرسلة أيضًا دون ذكر ابن عباس فيها، راجع "كامل ابن عدى" [٥/ ٣٨٤]، ولم يتابعه أحد على تلك الرواية المنكرة؛ كما لم يتابعه أحد على حديثه هنا، وهذا كله يوهنه بلا شك، وقد قال الإمام المعلم اليمانى في حاشيته على "الفوائد المجموعة" [ص ٣٥٦]: "والمجهول إذا روى خبرين لم يتابع عليهما فهو تالف" بل لعل الاضطراب في هذا الحديث وصلًا وإرسالًا إنما هو منه نفسه.
والناقد الحافظ إذا أعل حديثًا براوٍ فهو علته بلا شك، وقد مضى أن البخارى قد قال عن عوسجة: "لا يصح حديثه"، وسأل ابن أبى حاتم أباه عن هذا الحديث كما في "العلل" [رقم ١٦٤٣]، فقال له: "يصح هذا الحديث؟! قال: عوسجة ليس بالمشهور" وهذا نص في كون عوسجة ممن لا تقوم الحجة بما ينفرد به؛ لجهالته وعدم شهرته بين النقلة على قلة حديثه.
*وبالجملة: فهو آفة هذا الحديث لعدم التابع له، وكنا قد تسرعنا وحسنَّا هذا الحديث في تعليقنا على (تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة/ طبعة دار الحديث)، اعتمادًا على توثيق أبى زرعة لعوسجة، فها نحن نتراجع هنا مذعنين، وسوف نقوم بإصلاح ذلك في الطبعة القادمة من حاشيتنا الكبيرة "آمال المستغيث على صفحات تأويل مختلف الحديث". =

الصفحة 83