كتاب مسند أبي يعلى - ت السناري (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------
= ولم يذكر فيه سماعًا ولا شبه سماع، وحماد ألزم للأعمش من عبد الحميد الحمانى على ضبطه وإتقانه، فلا يكون تصريح الأعمش بسماع أنس في هذا الخبر، إلا من أوهام الحمانى التى ضعفه لأجلها جماعة، وقلب العنعنة سماعًا: هو شئ عهدناه كثيرًا من خلق من الضعفاء ومن كان خفيف الضبط، بل قد رأيناه يقع من الثقة الثبت توهمًا، وما انتظارنا من الحمانى إلا أن يزيد الأمر ضغثًا على إبالة؛ ويرويه عن الأعمش عن أنس مرفوعًا، وما ذلك على الحمانى ببعيد!
وقد كفينا مؤنة الرد على هذا إن وقع برواية حماد بن أسامة هذا الخبر عن الأعمش عن أنس به ... موقوفًا، ليس فيه (سمعت) ولا ما شابهها، وهذا هو المحفوظ عن الأعمش بلا تردد؛ فكفانا الله غلط الواهمين!
الثالثة: أما قول البزار: "وإنما ذكرت هذا؛ لأبين أن الأعمش سمع من أنس" فإن كان هذا الأثر عمدته في ذلك، فيرد عليه ما مضى من الاختلاف على الحمانى في سماع الأعمش، وكذا مخالفة حماد بن أسامة له في عدم السماع، فإن وافقنا على أن تصريح الأعمش بالسماع فيه من أنس؛ إن هو إلا وهم من عبد الحميد الحمانى، أو ممن رواه عنه هكذا، وإلا تحاكمنا نحن وإياه إلى الأعمش نفسه في تلك القضية، فذهبنا إلى "تاريخ مدينة السلام" [٩/ ٤]، فوجدنا صاحبه قد أسند بإسناده الصحيح المتصل إلى الأعمش أنه قال: (رأيت أنس بن مالك، وما منعنى أن أسمع منه إلا استغنائى بأصحابى).
فصح: أن الأعمش لم يسمع من أنس شيئًا بشهادته نفسه، وقد صدقه في ذلك: ابن المدينى وابن معين وابن المنادى وغيرهم من حذاق النقاد، بل لم يخالف في ذلك من المتقدمين من أئمة هذه الصنعة - دون البزار - سوى ابن حبان وحده، فإنه قال في ترجمة الأعمش من "الثقات" [٤/ ٣٠٢]، وفى كتابه "مشاهير علماء الأمصار" [ص ١١١]: (رأى أنس بن مالك ... ولم يسمع منه إلا أحرفًا معدودة، وكان مدلسًا) ثم قال: "لم يصح له سماع المسند عن أنس" ..
قلتُ: وكلام ابن حبان أقرب إلى كلام من نفى سماع الأعمش مطلقًا من أنس، فلا عبرة بالاعتداد بتلك الأحرف المعدودات في إثبات سماع الأعمش، فقد تكون تلك الأحرف متمثلة في رؤية الأعمش أنسًا وهو يذكر الله؛ ونحو ذلك، وقد صح عن الأعمش أنه رأى أنسًا يصلى عند الكعبة كما أخرجه ابن أبى شيبة [٢٩٧٢]، وأبو نعيم في "الحلية" [٥/ ٥٥]، والخطيب في "تاريخه" [٢/ ٩٥]، وعباس الدورى في "تاريخه" عن ابن معين [٣/ ٣٢٨]، وغيرهم.

الصفحة 635