كتاب مسند أبي يعلى - ت السناري (اسم الجزء: 9)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------
= إِذا عرفت هذا: علمت أن قول الإمام في "الصحيحة" [رقم ٢٥٠٩]: "ولم يتبين لى وجه النكارة التى ذكرها المنذري وحكاها ابن الجوزي عن الإمام أحمد، ونحن على الصحة التى تقتضيها صحة الإسناد، لا خرج عنها إلا بحجة بينة" لا يحسن من مثله أصلًا؛ لأن الإمام أحمد لم يخالفه أحد من أئمة هذا الشأن في حكمِه على الحديث بالنكارة؛ حتى يطالب بإبراز الحجة البينَّة، وكون الحديث رجاله ثقاتًا أو أثباتًا؛ لا يلزم صحته البتة، لاحتمال إعلاله من وجه لا يفطن له كل أحد.
فإذا جزم مثل الإمام أحمد بنكارة حديث ولم يخالفه إمام معتمد - في ذلك؛ وقفنا بذلك على اطلاع الإمام منه على علة جعلته يجزم بنكارته، وقد تكون العلة مما تَدِقُّ قليلًا؛ إلا أنها لا تخفى على الحذاق، كما أنها قد تكون ظاهرة؛ يلمسها كل مشتغل بهذا الفن؛ وأحيانا: تكون خافية لا يقف عليها إلا الواحد والاثنان.
* فالحاصل: أن الحديث معلول بعلة اطلع عليها الإمام أحمد؛ لعلها تكون في متنه أو سنده، ولو لا خوف التخرُّص والمجازفة؛ لَتَطلَّبتُها في ذلك كله، كأن يقال:
١ - وَجْهُ نكارة الحديث متنًا: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو كان في هذا المسجد مائة ألف ... ) يعنى به مسجده أو المسجد الحرام أو غيرهما؛ وقد كان يصلى فيهما جملة من المنافقين الذين يبطنون الكفر؛ ويتظاهرون بالإسلام، وقد مات من مات منهم على غير الإيمان، وقد كانت أنفاسهم تدخل وتخرج وهم مندسون بين جموع المسلمين في المسجذ النبوى وغيره؛ فمتى حدث فيه حريق من جَرَّاء تلك الأنفاس الزفرة؟! ثم ما ذنب مَنْ جاورهم أن يحترق بتلك النار التى لا تُبْقِى ولا تذر؟! وقد قال الرب الأعلى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤].
٢ - وأما وجْه نكارته سندًا؛ فربما جاء من تفرد (محمد بن شبيب) به عن جعفر بن إياس؛ ومحمد وإن كان ثقة؛ إلا أنه غير مشهور بالرواية عن جعفر، ولا هو معدود من أصحابه، وجعفر: ثقة مشهور كثير الحديث؛ وأصحابه كبار أمثال شعبة وهشيم وأبي عوانة وخالد الواسطي وهذه الطبقة، فأين كانوا أو بعضهم عن رواية مثل هذا الحديث الفائدة مع نظافة إسناده جدًّا فيما فوق جعفر في سنده؟! وقد نص غير واحد على كون جعفر كان أثبت في سعيد بن جبير؛ وهو قد روى هذا الحديث عنه هنا؛ فلو كان محفوظًا عنه؛ لرواه غير واحد من أصحاب جعفر عنه؛ أو توبع (محمد بن شبيب) على روايته ولو من قبل بعضهم.=

الصفحة 66