. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------
=فذلك الذي قال فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلامُ إلا شدة" يريد: من المعاقدة على الخير ونصرة الحق، وبذلك يجتمع الحديثان، وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام، والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام.
وقال الخطابي: قوله: "لا حلف في الإسلام" يريد على ما كانوا في الجاهلية، كانوا يتواضعون فيما بينهم بآرائهم، قال البغوي في "شرح السنة" ١٠/٢٠٣: كان ذلك في الجاهلية بمعنى الأخوة، يبنون عليها أشياء جاء الشرع بإبطالها، والأخوة في الإسلام ثابتة على حكم الشرع، وقد روي عن أنس قال: حالف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين قريش والأنصار في داري، قال سفيان بن عيية: معنى "حالف ": آخى، وإلا فلا حلف في الإسلام كما جاء في الحديث. قال البغوي: يعني على ما كان من حكم الجاهلية.
قلنا: حديث أنس أخرجه البخاري (٢٢٩٤) من طريق عاصم الأحول، قال: قلت لأنس بن مالك: أبلغك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا حلف في الإسلام "؟ فقال: قد حالف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين قريش والأنصار في داري. وأخرجه مسلم (٢٥٢٩) ، وأبو داود (٢٩٢٦) ، وزاد الأخير: مرتين أو ثلاثاً.
قال الطبري فيما نقله عنه الحافظ في "الفتح" ٤/٤٧٣: ما استدل به أنس على إثبات الحِلْفِ، لا ينافي حديثَ جبير بن مطعم (يعني: لا حلف في الإسلام) في نفيه، فإن الإخاء المذكور كان في أول الهجرة، وكانوا يتوارثون به، ثم نسخ من ذلك الميراثُ، وبقي ما لم يُبْطِله القرآنُ، وهو التعاون على إلحق والمنصر، والأخذ على يد الظالم، كما قال ابن عباس: إلا النصر والنصيحة والرِّفادة، ويوصي له، وقد ذهب الميراث. قلنا: حديث ابن عباس هذا أخرجه البخاري في "صحيحه" (٤٥٨٠) من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما: (ولكل جعلنا موالي) قال: ورثة، (والذين
عقدت أيمانكم) ، قال: كان المهاجرون لما قدموا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وَرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه، للأخوة التي آخى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهم، فلما نزلت: (ولكل جعلنا موالي) نسخت، ثم قال: (والذين عقدت أيمانكم) ، إلا النصر والرِّفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراثُ، ويوصي له.=