كتاب مصادر الشعر الجاهلي

وأما النقيصة الثالثة -وهي أخطرها في نظرنا- فهي أن هذه النقوش كلها قد اكتشفت في المنطقة الشمالية من بلاد العرب التي تمتد من العلا ومدائن صالح إلى شمال بلاد حوران؛ وأما مُوْسَط بلاد العرب وصميمها: الحجاز ونجد، فلم يُعثر -حتى الآن- على شيء من النقوش الجاهلية فيها. فإذا كانت هذه النقوش بكلماتها الفصيحة وخطها العربي قد اكتشفت في منطقة كانت مسرحًا لآثار ورواسب من الثمودية والآرامية والنبطية لغة وخطًّا، فكيف تكون هذه النقوش التي قد تكتشف في الحجاز ونجد؟ وإذا كانت اللغة الفصيحة والقلم العربي قد نُقِشا في تلك المنطقة منذ أوائل القرن الرابع الميلادي -بل ربما قبله- فإلى أي عهد ترجع بنا نقوش الحجاز ونجد؟
ومن تمام هذا البحث أن نشير إلى الكتابات العربية التي يرجع تاريخها إلى صدر الإسلام -عصر الرسول الكريم وخلفائه الراشدين- وذلك ليستبين لنا مدى الشبه -بل المطابقة- بينهما وبين هذه النقوش الجاهلية، وخاصة في طورها الأخير: نقش حران. وهذه الكتابات الإسلامية على ضربين: نقوش وكتابة.
1- النقوش:
1- نقش القاهرة، وهو مؤرخ في سنة 31 للهجرة -أي في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه- وهو محفوظ في دار الآثار العربية "انظر صورة رقم 9".
ب- وقد كان يُظَن أن نقش القاهرة أقدم نقش إسلامي عُثر عليه، ولكن الدكتور محمد حميد الله عثر على عدة نقوش على قمة الطرف الجنوبي لجبل سلع في المدينة المنورة خارج سورها الشمالي. ويرجح الدكتور حميد الله أن هذه النقوش ترجع في تاريخها إلى غزوة الخندق في السنة الخامسة للهجرة1.
__________
1 M. Hamidullah, Some Arabic Inscriptions of Medinah of the Early Years of Hijrah, Islamic Culture, Vol 13 No. 4, Octobr 1939, p. 427 seq.

الصفحة 32