كتاب مصادر الشعر الجاهلي

ونقطته نقطًا، وأعجمته إعجامًا، ورقمته ترقيمًا". وكان من اليسير علينا أن نمر بهذا القول مرًّا هينًا ثم نتجاوزه من غير أن نقف عنده، معتقدين أنه ينصرف إلى أزمنة تالية للقرن الأولى الهجري لولا أن ابن السيد نفسه يستشهد -بعد قوله المتقدم- بأشعار جاهلية فقد أورد -دليلًا على هذه الألفاظ الدالة على النقط- أبياتًا لأبي ذؤيب والمرقش وطرفة. قال أبو ذؤيب:
برقم ووشم كما نمنمت ... بميشمها المزدهاة الهدى
وقال المرقش:
الدار قفر والرسوم كما ... رقش في ظهر الأديم قلم
وقال طرفة:
كسطور الرق رقشه ... بالضحى مرقش يشمه
وقد كدنا ننسب قول ابن السيد إلى التعجل والتسرع وإغفال الدقة في تحديد أزمان الألفاظ -فقد كان يبدو لنا أن الوشم والرقم والترقيش، في هذه الأبيات، لا تعني أكثر من تجويد الخط وتحسينه، لولا أن الأعلم الشنتمري يذكر ما ذكره ابن السيد. قال الأعلم في شرح بيت طرفة المتقدم1: "وقوله: كسطور الرق: شبه رسوم الربع بسطور الكتاب، ومعنى رقشه: زينه وحسنه بالنقط" ولولا أن أبا علي القالي قد ذهب إلى ذلك أيضًا، قال2: "رقشت الكتاب رقشًا ورقشته: إذا كتبته ونقطته". ثم استشهد ببيت طرفة.
6- وربما كان أخطر ما يوجه إلى من يدعي نقط الكتابة في الجاهلية هو هذه النقوش الجاهلية الخالية من النقط. وهو دليل لا سبيل إلى إنكاره، وإن كان لا بأس في التحدث عنه حديثًا قد يكون فيه بعض حجة؛ وذلك أن
__________
1 ديوان طرفة "ط. شالون سنة 1900" ص69.
2 الأمالي 2: 246.

الصفحة 39