كتاب مصادر الشعر الجاهلي

القرآن قالوا -أو من قال منهم-: إنه شعر. قال الوليد بن المغيرة منكرًا عليهم: لقد عرضت ما يقرؤه محمد على أقراء الشعر: هزجه ورجزه وكذا وكذا، فلم أره يشبه شيئًا من ذلك. أفيقول الوليد هذا وهو لا يعرف بحور الشعر؟ ...
ومن الدليل على عرفان القدماء من الصحابة وغيرهم بالعربية كتابتهم المصحف على الذي يعلله النحويون في ذوات الواو والياء والهمز والمد والقصر. فكتبوا ذوات الياء بالياء، وذوات الواو بالواو، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنًا في مثل "الخبء" و"الدفء" و"الملء" فصار ذلك كله حجة، وحتى كره من العلماء ترك اتباع المصحف من كره".
فابن فارس يذهب إذن إلى تقرير معرفة بعض العرب في الجاهلية وصدر الإسلام بالكتابة معرفة دقيقة، ثم يذهب إلى أبعد من هذا حين يقرر معرفتهم بعلوم اللغة وقواعدها وعروضها؛ ويرد على من يذهب إلى استحداث هذه العلوم بعد الإسلام بدهر ردًّا يغنينا عن أن نتصدى نحن له. ومع أن ابن فارس قد قيد كلامه هذا بقوله: "فإنا لم نزعم أن العرب كلها: مدرًا ووبرًا، قد عرفوا الكتابة كلها والحروف أجمعها، وما العرب في قديم الزمان إلا كنحن اليوم: فما كل يعرف الكتابة والخط والقراءة ... "، نقول: مع أن ابن فارس قيد كلامه وحصر معرفة العرب بهذه العلوم في أهل المدر والبيئات المتحضرة، إلا أننا، فضلًا عن ذلك، نستبعد أن يكون العرب، حتى أهل المدر، قد عرفوا النحو والعروض من حيث هما علمان لهما مصطلحات وقواعد، بالمعنى الذي عرفه المسلمون بعد ذلك. والأرجح أن ابن فارس يقصد أن العرب كانوا يعرفون من أمر النحو ومن أمر العروض وعيوب القافية ما يستطيعون به أن يميزوا الصحيح من الخطإ، وما أصبح بعد ذلك أساسًا لعلمي النحو والعروض. فإن كان ابن فارس يعني هذا الذي قدمناه، فإننا نحب أن نضيف إلى ما أورد أمثلة أخرى تسند أمثلته وتقويها.

الصفحة 48