كتاب مصادر الشعر الجاهلي

والقبائل يؤمنهم فيها، إذا لم يكن القوم يعرفون القراءة حتى يتم للمؤمن هدفه من بلوغ الأمن عند من يتعرض له1.
وكانت الكتابة في الجاهلية شرطًا لا بد منه للعربي ليكون ذا مكانة في قومه.
فقد كان من يحسن العوم والرمي والكتابة يسمى كاملًا2؛ وقد زاد بعضهم أن الكامل لا بد أن يكون -مع معرفته العوم والرماية والكتابة- شاعرًا شجاعًا3.
وهذه الخصال، متفرقة، كثيرة شائعة بين القوم آنذاك، وإن كانت، مجتمعة، أقل من ذلك شيوعًا وكثرة. فكم كان في العرب آنذاك من شاعر! وكم كان فيهم من شجاع! وكم كان فيهم من رامٍ! وكم كان فيهم ممن يعرف العوم؛ فلِمَ تكون الكتابة وحدها -من بين هذه الخصال كلها- عزيزة نادرة؟ ولم لا نقول -كما قلنا في الخصال الأخرى-: وكم كان في العرب آنذاك من كاتب! ثم إذا كانت الكتابة شرطًا لا بد منه ليكون المرء من الكملة، فلمَ لا يكون الساعون إلى الكمال كثيرين؟
-4-
ولم يكن العربي يكتفي بمعرفة الكتابة العربية وحدها، بل لقد تجاوز -فيما يبدو- هذه المرحلة الأولى من تعلم الكتابة، واضطرته أحوال معاشية تجارية، وأخرى فكرية ثقافية، إلى أن يتعلم كتابة اللغات الأخرى. فقد مر بنا أن عدي بن زيد العبادي تعلم في الكتاب الخط العربي ثم الخط الفارسي "فصال أفصح
__________
1 انظر مثلًا كتابه صلى الله عليه وسلم لبني زهير بن أقيش في ابن سعد 1/ 2: 30، وكتابه إلى ماعز البكائي في ابن سعد 7: 31
2 ابن سعد 3/ 2: 136، 142، 148 وغيرها.
3 أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني "ط. دار الكتب" 3: 25.

الصفحة 54