كتاب مصادر الشعر الجاهلي

كاملة كثيرة العدد كانت قد تهودت أو تنصرت1. فهل كان هؤلاء العرب لا يقرءون كتبهم الدينية؟ أو هل كانوا يقرءونها باللغة العبرية أو بغيرها من اللغات؟ وهل من المعقول أن نفترض أن هؤلاء العرب كانوا، حين يتهودون أو يتنصرون، يشترط فيهم أن يتعلمون العبرية أو الآرامية؟ الأقرب إلى المعقول أن نفترض أنهم كانوا يقرءون كتبهم الدينية مترجمة إلى لغتهم العربية. وليس هذا في الحق فرضًا أو استنتاجًا لا تدعمه النصوص، وإنما هو نتيجة أملتها علينا -مع سلامة المنطق- شواهد من الروايات:
ففي حديث سويد بن الصامت أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لعل الذي معك مثل الذي معي! فقال: وما الذي معك؟ قال سويد: مجلة لقمان2 يريد كتابًا فيه حكمة لقمان3. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعرضها علي. فعرضها عليه، فقال له: إن هذا لكلام حسن والذي معي أفضل من هذا، قرآن أنزله الله تعالى، هو هدى ونور4.
وقد مر بنا حديث خالد بن عرفطة حين كان جالسًا مع عمر بن الخطاب فأُتي برجل من عبد القيس نسخ كتاب دانيال، فضربه عمر وقال له: انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض، ولا تقريه أحدًا من الناس، فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحدًا من الناس لأنهكنك عقوبة. ثم قال عمر: انطلقت أنا فانتسخت كتابًا من أهل الكتاب، ثم جئت به في أديم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا في يدك يا عمر؟ قلت: يا رسول الله كتاب
__________
1 ابن حزم. جمهرة أنساب العرب: 457-458.
2 الزمخشري. الفائق 1: 206.
3 لسان العرب "حلل".
4 ابن هشام. السيرة 2: 68.

الصفحة 62