كتاب مصادر الشعر الجاهلي

وكما كانوا يكتبون العهود والأحلاف بين الجماعات، كانوا كذلك يكتبون العهود والمواثيق بين الأفراد. ومن أمثلة ذلك حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال1: كاتبت أمية بن خلف كتابًا في أن يحفظني في صاغيى بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة2.
ويبدو أنهم كانوا يسجلون كل أمر عام ذي بال يتصل بمجموع الناس أو بجماعات منهم -إذا أرادوا لهذا الأمر توكيدًا أو أرادوا أن يشهدوا عليه الملأ- ولا يقتصرون في ذلك على الأحلاف والمواثيق. فمن أمثلة هذه الأمور العامة التي كانوا يسجلونها ما قاله أبو جهل للعباس بن عبد المطلب حين شاعت في مكة رؤيا أخته عاتكة بنت عبد المطلب، قال3: "يا بني عبد المطلب، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم! قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال4: انفروا من ثلاث. فسنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يك حقًّا ما تقول فسيكون، وإن تمض الثلاث، ولم يكن من ذلك شيء، نكتب عليكم كتابًا أنكم أكذب أهل بيت في العرب".
ومما يتصل بكتابة العهود والمواثيق والأحلاف كتابة كتب الأمان، وربما كانت أقل من سابقتها إذ أنها لا تصدر إلا في حالات لا تتكرر كثيرًا. فمن ذلك كتاب النعمان الذي أرسله إلى الحارث بن ظالم وهو في مكة يؤمِّنه5، فلما ذهب إليه الحارث ودخل عليه قال: أنعم صباحًا أبيت اللعن. قال النعمان: لا أنعم الله صباحك. فقال الحارث: هذا كتابك! قال النعمان: كتابي والله ما أنكره أنا كتبته لك ...
__________
1 الزمخشري، الفائق 2: 26.
2 الصاغية: هم الذين يصغون إلى المرء ويميلون إليه، أي: جماعته.
3 ابن هشام، السيرة 2: 259-260؛ وانظر أيضًا ابن سعد، الطبقات 8: 30؛ والأغاني "دار الكتب" 4: 172.
4 القائل هنا راكب رأته عاتكة في نومها مقبلًا على بعير له حتى وقف بالأبطح.
5 الأغاني 11: 120.

الصفحة 68