كتاب مصادر الشعر الجاهلي

في آخر الخبر: "وكان الخط شبه خط النساء" ناقض لقوله إنه بخط عبد المطلب؟ أو أنه يقصد إلى القول إن هذا الخط الذي هو خط عبد المطلب شبه خط النساء؟ فنحن إذن نضعف ذلك الخبر على هذا الوجه الذي ورد عليه، وإن كنا مع ذلك لا نستطيع أن نقطع بنفيه؛ لأننا نرى أن الخبر في جوهره: وهو أن ثمة صكًّا ما فيه حق لعبد المطلب على رجل حميري لا سبيل إلى الطعن فيه.
وقد كان كثير من القوم آنذاك تجارًا، فكان من الطبيعي أن يكثر عندهم هذا الضرب من الكتابة يحفظون به حقوقهم أن تضيع، حتى لقد كانت النساء التاجرات يلجأن إلى هذه الوسيلة، شأنهن في ذلك شأن الرجال. فقد رُوي أن عبد الله بن أبي ربيعة كان يبعث بعطر من اليمن إلى أمه أسماء بنت مخربة، وهي أم أبي جهل، فكانت تبيعه إلى الأعطية، فذهبت إليها الربيع بنت معوذ في نسوة من الأنصار ليشترين منها العطر؛ قالت الربيع: فلما جعلت لي في قواريري، ووزنت لي كما وزنت لصواحبي، قالت: اكتبن لي عليكن حقي. فقلت: نعم، اكتب لها على الربيع بنت معوذ ... 1
وقد حفظ لنا الشعر الجاهلي ذكر هذا الضرب من الصحف التي يسجل فيها الدين، قال علباء بن أرقم بن عوف من بني بكر بن وائل2:
أخذت لدين مطمئن صحيفة ... وخالفت فيها كل من جار أو ظلم
وقال أبو ذؤيب الهذلي يصف كاتبًا من اليمن يكتب دينه على رجل آخر يُثني عليه الناس بالوفاء3:
عرفت الديار كرقم الدوا ... ة يزبره الكاتب الحميري
__________
1 الواقدي، المغازي: 65؛ وابن سعد، الطبقات 8: 220.
2 الأصمعيات "برلين 1902" ص63، وانظر اسم الشاعر وبيتين من القصيدة في معجم المرزباني: 304.
3 ديوان الهذليين 1: 64.

الصفحة 69