كتاب مصادر الشعر الجاهلي

ويقال إنه حدث أيام بني أمية، وقيل في الدولة العباسية، وقيل إنه قديم العمل، وقيل إنه حديث، وقيل إن صناعًا من الصين عملوه بخراسان على مثال الورق الصيني ... "، نقول إن هذه الرواية التاريخية عن الورق الخراساني والصيني -على فرض صحتها- لا تشير إلا صناعة الورق، ولا تعني أن الورق لم يكن معروفًا قبل هذا التاريخ في بلاد العرب وإن لم يكن يُصنع فيها. فإذا كانت بعض البلاد المجاورة للصين كالهند وجارتها بلاد فارس قد عرفتا الورق الصيني -سواء أكانت صنعته في بلادها أم أجتلبته مصنوعًا من الصين- فليس ثمة ما يمنع أن يعرفه العرب في جاهليتهم، وقد كانت صلاتهم التجارية وثيقة بفارس والهند بل بالصين نفسها. على أن هذا ليس فرضًا عقليًّا مجردًا حسب بل إننا عثرنا على ما نستروح منه أنه يدعم هذا الفرض:
فابن النديم يذكر أنه رأى أوراقًا يحسبها من ورق الصين بخط يحيى بن يعمر1، ويحيى بن يعمر توفي في سنة 90 للهجرة، وقد يكون كتب هذه الأوراق قبل وفاته بسنوات، وبذلك يكون العرب قد عرفوا الورق الصيني -على ما يروي ابن النديم- قبل أسر هؤلاء الصينيين بنحو نصف قرن على الأقل.
وليس عندنا ما نزيده على ما قدمناه عن الورق الصيني، وإن كان لنا حديث طويل عن الورق بعامة. فكلمة "الورق" تتردد في الشعر الجاهلي وأخبار صدر الإسلام، وقد ذهب بعضهم إلى أنها تعني الجلد الرقيق الذي يشبه في رقته ورق الشجر، وليس عندنا ما يدعم هذا المذهب، وهو في رأينا لا يعدو أن يكون استنتاجًا استنتجه من ذهب إليه بعد أن فرض أن العرب في جاهليتهم لم يعرفوا الورق. وهذا -كما نرى- فرض على فرض، واستنتاج مبني على استنتاج.
وسأعرض بعض ما عثرت عليه من أخبار الصدر الأول ومن الشعر الجاهلي
__________
1 الفهرست: 61.

الصفحة 89