كتاب مصادر الشعر الجاهلي

مما فيه ذكر للورق، وسأبدأ برواية تتصل بعهد عثمان بن عفان يُفرق فيها بين الورق والأديم، وبذلك يقوى ما ذكرناه آنفًا من أنهما شيئان لا شيء واحد. وذلك أن عثمان بن عفان عزم على كل رجل معه من كتاب الله شيء أن يذهب به إليه "وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن1".
وقال عمرو بن نافع مولى عمر بن الخطاب2 "كنت أكتب المصاحف في عهد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فاستكتبتني حفصة بنت عمر مصحفًا لها ... فلما بلغت إليها حملت الورقة والدواة". وسئل ابن الحنفية عن بيع المصاحف فقال3 "لا بأس إنما تبيع الورق". وكان مطر بن طهمان مولى علي بن أبي طالب يُعرف بمطر الورَّاق4. وقال أبو عبيدة إن المهلب قال لبنيه في وصيته5 "يا بني لا تقوموا في الأسواق إلا على زراد أو وراق".
وهذه أحاديث قد تطول، ولا غناء في سردها، وأهمها عندنا هو الخبر الأول الذي فُرِّق فيه بين الورق والأديم؛ وسنذكر ثلاثة شواهد فيها ما يقوي الخبر الأول في التفريق بين الجلد والورق. أما الأول فقول عبد الله بن عامر لمعاوية بن أبي سفيان حينما طلق هند بنت معاوية، قال له6: "فرأيت أن أردها إليك لتزوجها فتى من فتيانك كأن وجهه ورقة مصحف". وأما الثاني فقول حسان بن ثابت7:
عرفت ديار زينب بالكثيب ... كخط الوحي في الورق القشيب
__________
1 المصاحف: 23-24.
2 المصاحف: 86.
3 المصاحف: 175.
4 المصدر السابق: 177، وانظر ترجمة مطر في التهذيب، وفي ابن سعد 7/ 2/ 19.
5 الجاحظ، الحيوان 1: 52.
6 نسب قريش: 149.
7 ديوانه "مطبعة النيل 1904": 11.

الصفحة 90