كتاب المستشرقون والسنة

الفرنسية عدداً كبيراً من المُسْتَشْرِقِينَ الأوروبيِّين، وإنشاء كراسي للغة العربية في كثير من جامعات أوروبا، وتأسيس الجمعيات الآسيوية، وإصدار مجلاَّتها، وإتاحة الفرصة لمعظم المُسْتَشْرِقِينَ لزيارة بلاد الشام، فتوافدوا عليها من مختلف الجامعات والبلدان الأوروبية.

وهكذا اقترن ازدهار الاسْتِشْرَاق بضعف الدولة العثمانية، وظهور أطماع الدول الأوروبية في الاستحواذ على أملاكها وعلومها المتنوعة.

وفي هذه المرحلة عمد المُسْتَشْرِقُونَ إلى تغيير أساليبهم 0 وحاولوا أنْ يظهروا بمظهر جديد، هو ما زعموه - كذباً وزُوراً - من تحرير الاسْتِشْرَاق من الأغراض التبشيرية، والاتجاه به وجهة البحث العلمي البحت!

مواكبة الاسْتِشْرَاق للغزو الاستعماري:
وقد واكب الاسْتِشْرَاق الغزو الاستعماري، ومَضَيَا معاً في طريق واحد، فإذا كان الغربيون قد غزوا البلاد الإسلامية تلك الغزوات الاستعمارية التي نعرفها، فإنَّ المُسْتَشْرِقِينَ منهم قد غزوا التراث الإسلامي، فأخذوا يقلبون وجوه البحث فيه، وألَّفوا فيه كثيراً من الكتب، وساعدوا على تحقيق كثير من المخطوطات التي نقلوها إلى مكتبات بلادهم، أو أخذوا صورها من مكتبات الشرق، أو استنسخوها على ذمة نشرها محققة، وقامت من أجل ذلك صناعة نشر التراث الإسلامي في عدد من العواصم والمُدن الكبرى في أوروبا.

وعلى الرغم مِمَّا يزعمه المستشرقون في هذه المرحلة من أنَّ دراساتهم تقوم على أسس علمية وطيدة، فإنَّ الكثيرين منهم - مع الأسف - لم يَحِيدُوا عن الروح الصليبية التعصبية، وبخاصة الذين استعانت بهم دولهم لأغراض استعمارية، فكان هؤلاء يضعون الاتهام أولاً، ثم يبحثون عن الأدلة التي تقوي هذا الاتهام!

تسلل المُسْتَشْرِقِينَ إلى الدوائر العلمية واستعانتهم ببعض نصارى العرب:
ومِمَّا زاد الطين بلة أنَّ كثيراً من طلبة العلم المسلمين وَلَّوْا وُجُوهَهُمْ شطر جامعات الغرب، وأخذوا يَؤُمُّونَهَا للدراسة فيها، وقد تأثر الكثيرون بما كان يلقيه أساتذتهم من المُسْتَشْرِقِينَ في أذهانهم!

الصفحة 14