كتاب المستشرقون والسنة
مقدمة:
الحياة صراع بين الحق والباطل .. وشاءت إرادة الله أنْ يُبتلَى المؤمنون، وأنْ تتنوَّع صُنُوف الابتلاء، وأنْ تكون الغلبة للذين يثبتون ويصمدون، وهذا الثبات يَهِبُ النفوسَ قوَّةً، ويرفعها عن ذواتها، فيصفو عنصرها ويضيء، ويَهِبُ العقيدة عُمقاً وحيويَّة، فتتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها!
وقد ابتُلِيَ المسلمون من قديم الزمان بأعداء ألدَّاء، كادوا ما وسعهم الكيدُ، وحاكوا المؤامرات والدسائس للقضاء على الإسلام، وذهاب دولته. حينما تلألأت في أعينهم عقيدة هذه الأمَّة، لا يألون في ذلك جهداً، ولا يدَّخرون وسعاً!
وجاهروا بالعداء والمعالنة بالخصومة أحياناً، واستعملوا أساليب الدَسِّ والخديعة أحياناً أخرى، ووجَّهُوا سهامهم أولاً إلى التشكيك في القرآن الكريم، وفاتهم أنه قد روعي في تسميته قرآنا كونه متلواً بالألسن، وفي تسميته كتاباً كونه مُدَوَّناً بالأقلام، وأنَّ كلتا التسميتين - كما يقول المرحوم الدكتور محمد عبد الله دراز (1) من تسمية شيء بالمعنى الواقع عليه، وفي تسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أنَّ من حَقِّهِ العناية بحفظه في موضعين، لا في موضع واحد، أعني أنه يجب حفظه في الصدور والسطور معاً، أنْ تضلَّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ..
وبهذه العناية المزدوجة التي بعثها الله في نفوس الأمَّة اقتداء بنبيِّها بقي القرآن محفوظاً في حرز حريز، إنجازاً لوعد الله الذي تكفَّل بحفظه، حيث يقول:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (2).
__________
(1) " النبأ العظيم ": ص 12 - 14 بتصرف.
(2) [الحجر: 9].
الصفحة 5
81