كتاب المستشرقون والسنة
ولم يصبه ما أصاب الكتب الماضية من التحريف والتبديل وانقطاع السند، حيث لم يتكفَّل الله بحفظها، بل وكلها إلى حفظ الناس فقال تعالى:
{وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} (1).
والسِرُّ في هذه التفرقة أنَّ سائر الكتب السماوية جيء بها على التوقيت لا التأبيد، وأنَّ هذا القرآن جيء به مُصَدِّقاً لما بين يديه من الكتب ومُهيمناً عليها، فكان جامعاً لما فيها من الحقائق الثابتة، زائداً عليها بما شاء الله زيادته، وكان ساداً مسدها، فقضى أنْ يبقى حُجَّة إلى قيام الساعة.
ولكن أتباع الكتب الماضية، وغيرهم مِمَّن هم أشد عداء وانحرافاً، قد حاولوا معاً جاهدين التشكيك في هذا الكتاب حقداً وحسداً، وقدروا على تزوير بعض الأحداث، وتقديم العملاء في صور برَّاقة أخَّاذة، ولكنها لم تلبث أنْ تكشف زيفها، ومع كل هذا لم يقدروا على إحداث شيء في هذا الكتاب المحفوظ، الذي لا حماية له من أهله المنتسبين إليه، حين بعدوا عنه، وأصبحوا بعد أنْ نبذوا تحكيمه وراء ظهورهم غثاء كغثاء السيل، لا يدفع ولا يمنع ولا ينفع، فدلَّ هذا مرة أخرى على ربانية هذا الكتاب، وشهد هذا الواقع بأنه حقاً تنزيل من عزيز حكيم.
ومن ثم توجَّهُوا إلى السُنَّة النبوية واتَّخذوا للوصول إلى غايتهم الدنيئة أساليب متعددة!، وجاء المُبَشِّرُون والمستشرقون فأخذوا طُعُونَ هؤلاء وأولئك ونفخوا فيها، وزادوا ما شاء لهم هواهم أنْ يزيدوا، مع الاستمرار في محاولاتهم الفاشلة في اتجاهات متوازية، تتمثل فيما يأتي (2):
1 - محاربة الإسلام والبحث عن نقاط ضعف متوهِّمة فيه، وإبرازها والزعم بأنه دين مأخوذ من اليهودية والنصرانية .. !
2 - حَجْبُ حقائق الإسلام عن غير المسلمين، ومحاولة تحذيرهم من معرفته .. !
3 - التبشير ومحاولة إخراج المسلمين عن دينهم .. !
__________
(1) [المائدة: 44]
(2) انظر " الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري ": ص 72، و " دائرة المعارف الإسلامية ": 13/ 390 وما بعدها.
الصفحة 6
81