كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم (ت مقبل) (اسم الجزء: 3)

30 - كِتَابُ الْمَغَازِي وَالسَّرَايَا
حَدَّثَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِ مِائَةٍ:
كِتَابُ الْمَغَازِي وَالسَّرَايَا وَسَائِرِ الْوَقَائعِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى كُنْهِ مَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْكِتَابِ ، وَفِيهِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ مَدَارُهَا عَلَى أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِإِخْرَاجِهَا مُسْلِمٌ رَحْمَةُ اللَّهِ ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِمَا أَخْبَارٌ يَسِيرَةٌ ، رُوَاتُهَا ثِقَاتٌ مِمَّنْ لَمْ يُخَرِّجُوا عَنْهُمْ فَمِنْهَا "
4356 - مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَا: " رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِيمَا يَرَى النَّائِمُ قَبْلَ مَقْدَمِ ضَمْضَمَ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ رُؤْيَا ، فَأَصْبَحَتْ عَاتِكَةُ فَأَعْظَمَتْهَا ، فَبَعَثَتْ إِلَى أَخِيهَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي ، لَقَدْ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا أَفْزَعَتْنِي لَيَدْخُلَنَّ عَلَى قَوْمِكَ مِنْهَا شَرٌّ وَبَلَاءٌ ، فَقَالَ: وَمَا هِيَ ؟ فَقَالَتْ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ رَجُلًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ فَوَقَفَ بِالْأَبْطَحِ ، فَقَالَ: انْفِرُوا يَا آلَ غَدْرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ ، فَأَرَى النَّاسَ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، ثُمَّ أُرَى بَعِيرَهُ دَخَلَ بِهِ الْمَسْجِدَ ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ ، فَإِذَا هُوَ عَلَى رَأْسِ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ: انْفِرُوا يَا آلَ غَدْرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ ، ثُمَّ إِنَّ بَعِيرَهُ مَثُلَ بِهِ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ ، فَقَالَ: انْفِرُوا يَا آلَ غَدْرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ ، ثُمَّ أَخَذَ صَخْرَةً ، فَأَرْسَلَهَا مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ ، فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي حَتَّى إِذَا كَانَتْ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ ، أَرْفَضَتْ فَمَا بَقِيَتْ دَارٌ مِنْ دُورِ قَوْمِكَ ، وَلَا بَيْتٍ إِلَّا دَخَلَ فِيهِ بَعْضُهَا ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: وَاللَّهِ ، إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا فَاكْتُمِيهَا ، قَالَتْ: وَأَنْتَ فَاكْتُمْهَا لَئِنْ بَلَغَتْ هَذِهِ قُرَيْشًا لَيُؤْذُونَنَا ، فَخَرَجَ الْعَبَّاسُ مِنْ عِنْدِهَا وَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا فَذَكَرَهَا لَهُ وَاسْتَكْتَمَهُ إِيَّاهَا ، فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ ، فَتَحَدَّثَ بِهَا فَفَشَا الْحَدِيثُ ، قَالَ الْعَبَّاسُ: وَاللَّهِ ، إِنِّي لَغَادٍ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَطُوفَ بِهَا إِذْ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا أَبُو جَهْلٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ -[24]- يَتَحَدَّثُونَ ، عَنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا أَبَا الْفَضْلِ ، مَتَى حَدَّثَتْ هَذِهِ النَّبِيَّةُ فِيكُمْ ؟ قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ ، قَالَ: رُؤْيَا رَأَتْهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، أَمَا رَضِيتُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، أَنْ يَتَنَبَّأَ رِجَالُكُمْ حَتَّى تَنَّبَّأَ نِسَاؤُكُمْ فَسَنَتَرَبَّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثَّلَاثَ الَّتِي ذَكَرَتْ عَاتِكَةُ ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَسَيَكُونُ ، وَإِلَّا كَتَبْنَا عَلَيْكُمْ كِتَابًا إِنَّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ فِي الْعَرَبِ ، فَوَاللَّهِ مَا كَانَ إِلَيْهِ مِنِّي مِنْ كَبِيرٍ إِلَّا أَنِّي أَنْكَرْتُ مَا قَالَتْ ، فَقُلْتُ: مَا رَأَتْ شَيْئًا وَلَا سَمِعْتُ بِهَذَا ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَّا أَتَتْنِي ، فَقُلْنَ: أَصَبَرْتُمْ لِهَذَا الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ فِي رِجَالِكُمْ ، ثُمَّ تَنَاوَلَ النِّسَاءَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ غَيْرَةٌ ؟ فَقُلْتُ: قَدْ وَاللَّهِ صَدَقْتُنَّ ، وَمَا كَانَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرَةٍ إِلَّا أَنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ مَا قَالَ ، فَإِنْ عَادَ لَأَكْفِيَنَّهُ ، فَقَعَدْتُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَتَعَرَّضُهُ لَيَقُولَ شَيْئًا فَأُشَاتِمُهُ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَمُقْبِلٌ نَحْوَهُ ، وَكَانَ رَجُلًا حَدِيدَ الْوَجْهِ ، حَدِيدَ الْمَنْظَرِ ، حَدِيدَ اللِّسَانِ إِذْ وَلَّى نَحْوَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَشْتَدُّ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اللَّهُمُ الْعَنْهُ كُلَّ هَذَا فَرَقًا مِنْ أَنْ أُشَاتِمَهُ ، وَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِالْأَبْطَحِ قَدْ حَوَّلَ رَحْلَهُ ، وَشَقَّ قَمِيصَهُ ، وَجَدَعَ بَعِيرَهُ ، يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، اللَّطِيمَةُ اللَّطِيمَةُ أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَتِجَارَتُكُمْ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ ، فَالْغَوْثُ ، فَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنِّي ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا الْجِهَازُ حَتَّى خَرَجْنَا ، فَأَصَابَ قُرَيْشًا مَا أَصَابَهَا يَوْمَ بَدْرٍ ، مِنْ قَتْلِ أَشْرَافِهِمْ ، وَأَسَرِّ خِيَارِهِمْ ، فَقَالَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:
[البحر الطويل]
أَلَمْ تَكُنِ الرُّؤْيَا بِحَقٍّ وَعَابَكُمْ ... بِتَصْدِيقِهَا قَلَّ مِنَ الْقَوْمِ هَارِبُ
فَقُلْتُمْ وَلَمْ أَكْذِبْ كَذَبْتِ وَإِنَّمَا ... يُكَذِّبْنَ بِالصِّدْقِ مَنْ هُوَ كَاذِبُ
وَذَكَرَ قِصَّةً طَوِيلَةً

الصفحة 23