كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 9)

قال أبو النضر: دسست إلى عمر بن عبد العزيز بعض أهله، أن أقل له: إن فيك كبراً، أو إنه يتكبر. فقيل ذلك له، فقال عمر: قل له: ليس ما ظننت، إن كنت تراني أتوقى الدينار والدرهم مراقبة لله عز وجل وأنطلق إلى أعظم الذنوب فأركبه، الكبرياء إنما هو رداء الرحمن فأنازعه إياه. ولكن كنت غلاماً بين ظهراني قومي، يدخلون علي بغير إذن، ويتوطؤون فرشي، ويتناولون مني ما يتناول القوم من أخيهم الذي لا سلطان له عليهم. فلما أن وليت خيرت نفسي في أن أمكنهم من حالهم التي كنت لهم عليها، وأخالفهم فيما خالف الحق، أو أتمنع منهم في بابي ووجهي ليكفوا عني أنفسهم وعن الذي أحذر عليهم لو كنت جرأتهم على نفسي من العقوبة والأدب. فهو الذي دعاني إلى هذا.
وكان أبو النضر صالحاً ثقة حسن الحديث.
قال داود بن عبد الرحمن: كان لعمر بن عبد العزيز أخوان في الله عبدين: أحدهما زياد والآخر سالم، فدخل عليه زياد وعنده امرأته فاطمة بنت عبد الملك، فأراد أن تقوم فقال لها: إنما هو زياد عمك. ثم نظر إليه فقال: زياد في دراع من صوف لم يل من أمور المسلمين شيئاً. ثم ألقى بثوبه على وجهه فبكى، فقال لامرأته: ما هذا؟ قالت: هذا عمله منذ استخلف. قال: ودخل عليه سالم فقال: يا سالم، إني أخاف أن أكون قد هلكت. قال: إن تك تخاف فلا بأس، ولكن عبد خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأباحه الجنة. عصى الله معصية واحدة، فأخرجه بها من الجنة، وأنا وأنت نعصي الله في كل يوم وليلة، ونتمنى على الله الجنة.
توفي أبو النضر سالم في زمن مروان بن محمد، في سنة تسع وعشرين، وقيل سنة ثلاث وثلاثين ومئة.

الصفحة 187