كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 16)
وعقبك من بعدك. ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساكت لا يتكلم، فلما فرغ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بسم الله الرحمن الرحيم، حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون " فقرأ حتى بلغ " أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله، واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: يا معشر قريش، والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، انطلقوا بنا إليه: فأتوه، فقال له أبو جهل: والله يا عتبة ما حسبك إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمداً أبداً، وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته فقص عليهم القصة فأجابني بشيء ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة، قرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم، حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعقلون " قال: هكذا! قال: فيه " لقوم يعقلون " حتى بلغ " أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " فأمسكت بفيه وناشدته الرحم يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب.
وفي حديث آخر بمعناه أن عتبة لما انصرف إلى قريش في ناديها، قالوا: والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم. ثم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال: والله لقد سمعت من محمد كلاماً ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، فأطيعوني في هذه وأنزلوها بي، خلوا محمداً وشأنه واعتزلوه، فو الله ليكونن لما سمعت من قوله نبأ: فإن أصابته العرب كفيتموه بأيدي غيركم، وإن كان ملكاً أو نبياً كنتم أسعد الناس به، لأن ملكه ملككم وشرفه شرفكم. فقالوا: هيهات، سحرك محمد يا أبا الوليد، فقال: هذا رأيي لكم، فاصنعوا ما شئتم.
قال ابن إسحاق: ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة حتى كثر في الرجال والنساء، وقريش تحبس من
الصفحة 51
376