كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 16)

بالسيف ما تقومتم على السوط، ولا أبلغ بكم السوط ما استقمتم بالدرة، ولا أبطئ على الأولى ما لم تسرعوا إلى الأخرى، فكونوا خير قريش سهماً، فهذا اليوم الذي ليس فيه عقاب ولا بعده عتاب، وصلى الله على محمد النبي وسلم.
مر عتبة بن أبي سفيان ببعض ولده وعنده رجل يشتم رجلاً، فوقف عليه فقال: يا بني نزه نفسك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن الكلام به، فإن المستمع شريك القائل، ولو ردت كلمة جاهل في فيه لسعد بها رادها كما شقي بها قائلها.
ومما قال عبد الله بن المبارك في ذلك: من البسيط
أولو بصائر، عن قول الخنا خرس ... لا يرفعون إلى الفحشاء أبصارا
أسر معاوية إلى الوليد بن عتبة حديثاً، فقال لأبيه: يا أبه، إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثاً، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به، فإنه من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: قلت: يا أبه، وإن هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه؟ قال: والله يابني، ولكن أحب ألا تذلل لسانك بأحاديث السر. فأتيت معاوية فحدثته فقال: يا وليد، أعتقك أخي من رق الخطأ.
قال عمرو بن عتبة: كان أبونا لا يرفع المواعظ عن أسماعنا، إذا أراد سفراً فقال: يا بني، تلقوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا المزيد منها بالشكر عليها، واعلموا أن النفوس أقبل شيء لما أعطيت، فاحملوه على مطاياها إذا ركبتم، لا تسبق وإن تقدمت نجا من هرب من النار. وأدرك من سابق إلى الجنة، فقال الأصاغر: يا أبانا ما هذه المطية؟ قال: التوبة يا بني.
قال سعد مولى عتبة: قال عتبة: يا سعد، تعهد صغير مالي يكبر، ولا تخف كثيره يصغر، فإنه ليس يمنعني كبير ما في يدي عن إصلاح قليل مالي.

الصفحة 64