كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 16)

دخلت أعرابية على عبيد الله بن أبي بكرة بالبصرة، فوقفت بين السماطين، فقالت: أصلح الله الأمير وأمتع به، حدرتنا إليك سنة، اشتد بلاؤها، وانكشف غطاؤها، أقود صبية صغاراً، وأجري كباراً، تخفضنا خافضة، وترفعنا رافعة، لملمات من الدهر برين عظمي، وأذهبن لحمي، تركنني والهاً، أذوذ بالحضيض، قد ضاق بي البلد العريض، فسألت في أحياء العرب، من المرتجى غيثه، والمعطى سائله، والمكفي نائله، فدللت عليك أصلحك الله، وأنا امرأة من هوزان، قد مات الوالد، وغاب الوافد، وأنت بعد الله غياثي ومنتهى أملي، فافعل بي إحدى ثلاث خصال: إما أن تردني إلى بلدي، أو تحسن لي صفدي، أو تقيم لي أودي؟ فقال: بل أجمعهن لك وحباً. فلم يجري عليها كما يجري على عياله حتى مات.
وكان عبيد الله ينفق على جيرانه، فينفق على أربعين داراً عن يساره، وأربعين داراً أمامه، وأربعين داراًمن وراء داره، سائر نفقاتهم السنة كلها، ويبعث إليهم في كل عيد التحف والأضاحي والكسوة، ويزوج من أراد التزويج منهم، ويصدق عنهم مهور نسائهم، وكان في كل يعتق في كل عيد مئة عبد سوى ما يعتق في السنة كلها.
أصاب رجلاً من العتيك تشنج في أعصابه، وكان وجيهاً، فأتى ناس من قومه عبيد الله بن أبي بكرة فقالوا له: إن فلاناً صاحبنا أصابه تشنج في أعصابه، ونعت له ألبان الجواميس يستنقع فيها أياماً متتابعة، وقد أخبرنا أن لك جواميس، فأقبل على وكيله فقال: كم لنا منها يا لطف؟ قال: ثلاث مئة، قال اصرفها إليهم، فقالوا: رحمك الله، إنا نحتاج إلى بعضها عارية، إذا استغنى صاحبنا عنها ردت، قال نحن لا نغير الجواميس، وقد أهديتها لصاحبكم.
وجه محمد بن المهلب بن أبي صفرة إلى عبيد الله بن أبي بكرة أنه أصابتني علة، فوصف لي لبن البقر، فابعث إلي ببقرة أشرب من لبنها، قال: فبعث إلي بسبع مئة بقرة ورعاتها، وقال: القرية التي ترعى فيها لك.

الصفحة 8