كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 17)

هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله "، مد بها صوته.
وعن جابر بن عبد الله قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى نزل خم، فنحّى الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب؛ فشق على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تأخر الناس عنه، فأمر علياً فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم، وهو متوسد على علي بن أبي طالب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " يا أيها الناس، إني قد كرهت تخلفكم وتنحيكم عني حتى خيّل إلي أنه ليس شجرة أبغض إليّ من شجرة تليني "، ثم قال: " لكن عليّ بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه، رضي الله عنه كما أنا عنه راض، فإنه لا يختار على قربي ومحبتي شيئاً "، ثم رفع يديه، ثم قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
وابتدر الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبكون ويتضرعون إليه، ويقولون: يا رسول الله إنما تنحينا كراهة أن نثقل عليك، فنعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله.
فرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك، فقال أبو بكر: يا رسول الله، استغفر لنا جميعاً؛ ففعل، فقال لهم: " أبشروا، فوالذي نفسي بيده، ليدخلنّ الجنّة من أصحابي سبعون ألفاً بغير حساب، ومع كل ألف سبعون ألفاً ومن بعدهم مثلهم أضعافاً ".
قال أبو بكر: يا رسول الله زدنا، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في موضع رمل، فحفن بيديه من ذلك الرمل ملء كفيه، ثم قال: هكذا. قال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، ففعل مثل ذلك ثلاث مرات، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، فقال عمر: ومن يدخل النار بعد الذي سمعنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبعد ثلاث حثيات من الرمل من الله؟ فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " والذي نفسي بيده، ما تفي بهذا أمتي حتى توفي عدتهم من الأعراب ".

الصفحة 356