كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

وانكس الإزار، وارفع القميص، واخصف النعل تلحق بهم.
قال الأحنف بن قيس:
ما كذبت قط إلا مرة، قالوا: وكيف يا أبا بحر؟ قال: وفدنا إلى عمر بفتح عظيم. فلما دنونا من المدينة قال بعضنا لبعض: لو ألقينا ثياب سفرنا ولبسنا ثياب صبوتنا، فدخلنا على أمير المؤمنين والمسلمين في هيئة حسنة كان أمثل. فلبسنا ثياب صبوتنا حتى إذا طعنا في أوائل المدينة لقينا رجل فقال: انظروا إلى هؤلاء أصحاب دنيا ورب الكعبة، قال: فكنت رجلاً ينفعني رأيي، فعلمت أن ذلك ليس بموافق للقوم، فعدلت، فلبستها، وأدخلت ثياب صبوتي العيبة، وأشرجتها، وأغفلت طرف الرداء، ثم ركبت راحلتي فلحقت أصحابي. فلما دفعنا إلى عمر نبت عيناه عنهم، ووقعت عيناه علي، فأشار إلي بيده، فقال: أين أبدلتم؟ قلت: في مكان كذا وكذا، فقال: أرني يدك، فقام معنا إلى مناخ ركابنا، فجعل يتخللها ببصره، ثم قال: ألا اتقيتم الله في ركابكم هذه؟ أما علمتم أن لها عليكم حقاً؟ ألا تقصّدتم بها في المسير؟ ألا حللتم عنها، فأكلت من نبت الأرض؟ فقلنا: يا أمير المؤمنين، إنا قدمنا بفتح عظيم، فأحببنا أن نسرع إلى أمير المؤمنين وإلى المسلمين بما يسرّهم، فحانت منه التفاتة، فرأى عيبتي، فقال: لمن هذه العيبة؟ قلت: لي يا أمير المؤمنين، قال: فما هذا الثوب؟ قلت: ردائي، قال: بكم ابتعته؟ فألغيت ثلثي ثمنه، فقال: إن رداءك هذا لحسن لولا كثرة ثمنه، ثم انصفق راجعاً ونحن معه، فلقيه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعدني على فلان، فإنه قد ظلمني، فرفع الدرة، فخفق بها رأسه، فقال: تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم، حتى شغل في أمر من أمر المسلمين أتيتموه: أعدني، أعدني؟ قال: فانصرف الرجل، وهو متذمر. قال: علي الرجل، فألقى إليه المخفقة، فقال: امتثل، فقال: لا والله، ولكن أدعها لله ولك. قال: ليس هكذا، إما أن تدعها لله إرادة ما عنده، أو تدعها لي، فاعلم ذلك، قال: أدعها لله، قال: فانصرف، ثم جاء فمشى حتى دخل منزله ونحن معه،

الصفحة 324