كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

والأنصار أن يغير هذه الجبة بثوب ليّن يهاب فيه منظره ويغدى عليه جفنة من الطعام ويراح عليه جفنة يأكل ومن حضره من المهاجرين والأنصار، فقال القوم بأجمعهم: ليس لهذا القول إلا علي بن أبي طالب، فإنه أجرأ الناس عليه وصهره على ابنتيه، أو ابنته حفصة، فإنها زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو موجب لها لموضعها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكلموا علياً فقال علي: لست بفاعل ذلك، ولكن عليكم بأزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنهن أمهات المؤمنين يجترئن عليه.
قال الأحنف بن قيس: فسألوا عائشة وحفصة، وكانتا مجتمعتين، فقالت عائشة: إني سائل أمير المؤمنين ذلك، وقالت حفصة: ما أراه يفعل، وسيتبين لك ذلك، فدخلتا على أمير المؤمنين، فقربهما، وأدناهما، فقالت عائشة: يا أمير المؤمنين، أتاذن أكلمك؟ قال: تكلمي يا أم المؤمنين، قالت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مضى لسبيله، إلى جنته ورضوانه، لم يرد الدنيا ولم ترده، كذلك مضى أبو بكر على إثره لسبيله بعد إحياء سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقتل الكذابين، وأدحض حجة المبطلين، بعد عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وإرضاء ربّ البرية، فقبضه الله إلى رحمته ورضوانه، وألحقه بنبيه صلّى الله عليه وسلّم بالرفيع الأعلى، لم يرد الدنيا ولم ترده، وقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر وديارهما، وحمل إليك أموالهما، ودانت لك طرفا المشرق والمغرب، ونرجو من الله المزيد، وفي الإسلام التأييد، ورسل العجم يأتونك، ووفود العرب يردون عليك، وعليك هذه الجبة قد رقعتها اثنتي عشرة رقعة، فلو غيرتها بثوب لين يهاب فيه منظرك، ويغدى عليك بجفنة من الطعام، ويراح عليك بجفنة تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار، فبكى عمر عند ذلك بكاء شديداً، ثم قال: سألتك بالله: هل تعلمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شبع من خبز برّ عشرة أيام، أو خمسة، أو ثلاثة، أو جمع بين عشاء وغداء حتى لحق بالله؟ فقالتا: لا، فأقبل على عائشة فقال: هل تعلمين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرب إليه طعام على مائدة في ارتفاع شبر من الأرض، كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض، ويأمر بالمائدة فترفع؟ قالتا: اللهم، نعم، فقال لهما: أنتما زوجتا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

الصفحة 326