كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

وأمهات المؤمنين، ولكما على المؤمنين حقّ، وعليّ خاصةً، ولكن أتيتما ترغّباني في الدنيا، وإني لأعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لبس جبة من الصوف، فربما حك جلده من خشونتها، أتعلمان ذلك؟ قالتا: اللهم، نعم، فقال: هل تعلمين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرقد على عباءة على طاقة واحدة، وكان مسجّى في بيتك يا عائشة يكون بالنهار بساطاً، وبالليل فراشاً، فندخل عليه فنرى أثر الحصير في جنبه، ألا يا حفصة، أنت حدثتني أنك اسى له ذات ليلة، فوجد لينها، فرقد عليها، فلم يستيقظ إلا بأذان بلال، فقال لك: يا حفصة، " اسى المهاد ليلتي حتى ذهب بي النوم إلى الصباح، ما لي وللدنيا، وما للدنيا وما لي؟ شغلتموني بلين الفراش، يا حفصة، أما تعلمين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. أمسى جائعاً، ورقد ساجداً، ولم يزل راكعاً وساجداً، وباكياً، ومتضرعاً في آناء الليل والنهار إلى أن قبضه الله إلى رحمته ورضوانه. لا أكل عمر طيباً، ولا لبس ليناً، فله أسوة بصاحبيه، ولا جمع بين أدمين إلا الملح والزيت، ولا أكل لحماً إلا في كل شهر، حتى ينقضي ما انقضى من القوم. فخرجتا فخبرتا بذلك أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يزل بذلك حتى لحق بالله عزّ وجلّ.
وعن ثابت: أن عمر استسقى، فأتي بإناء من عسل، فوضعه على كفه. قال: فجعل يقول: أشربها فتذهب حلاوتها، وتبقى نقمتها. قالها ثلاثاً، ثم دفعه إلى رجل من القوم فشربه.
وعن عتبة بن فرقد السلمي قال: وفدت إلى عمر بن الخطاب من العراق، فقلت: يا أمير المؤمنين، أهديت لك هدية أحب أن تقبلها، فدعا بها، فأتيته بها، فأمرني ففتحت سلة من خبيص، فأكل منه، فأعجبته فقال: عزمت عليك إلا رزقت الجند من هذا سلة سلة، أو سلتين، فقلت: إن

الصفحة 327