كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

النفقة تكثر فيه، فقال: اقبض عني سلالك فلا حاجة لي فيما لا يسع العامة، ثم أتي بقصعة من ثريد ولحم، فأكل وأكلت، ثم جعلت أهوي إلى القصعة أراها شحماً، فألوكها ساعة فأجدها عصباً، وعمر يأكل أكلاً شهياً، ثم أتي بعسّ من نبيذ، فشرب وسقاني، ثم قال: إننا ننحر كل يوم جزوراً، فيكون بطنها وأطايبها من غشيها من المسلمين وأهل الفاقة، ويكون العنق لأهل عمر، ثم نشرب عليه من هذا النبيذ فيقطعه في بطوننا.
وفي حديث آخر عن ابن فرقد
أنه لما أتاه بالخبيص جعل يخرج من الخبيص ألواناً: أصفر وأحمر وأخضر، فطفق عمر ينظر إليه ويقول: بخٍ بخٍ ما أحسن هذا! فقال: اردده في جونته التي أخرجته منها، ثم ارجع من حيث جئت. قال ابن فرقد: ما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تأكل؟ فقال عمر: إني آكل مما يأكل الناس، وألبس مما يلبس الناس، وأستبقي دنياي لآخرتي.
قال الحسن قدم على عمر أمير المؤمنين وفد من أهل البصرة مع أبي موسى الأشعري. قال: فكنا ندخل عليه، وله كل يوم خبز ثلاث فربما وافقناه مأدوماً بسمن، وأحياناً بزيت، وأحياناً باللبن. وربما وافقنا القدائد اليابسة قد دقت ثم أغلي بماء، وربما وافقنا اللحم الغريض، وهو قليل، فقال لنا يوماً: إني أرى تعزيركم وكراهيتكم طعامي، ولو شئت صلائق وصناب والصّلاء: الشّواء. والصّناب: الخردل. الصّلائق: الخبز الرقاق ولكني سمعت الله عزّ وجلّ عيّر قوماً بأمرٍ فعلوه، فقال: " أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها ".

الصفحة 328