كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

قال: فكلمنا أبو موسى الأشعري، فقال: لو كلمتم أمير المؤمنين، ففرض لكم من بيت المال طعاماً تأكلونه. قال: فكلمناه فقال: يا معشر الأمراء، أما ترضون لأنفسكم ما أرضى لنفسي؟ فقلنا: يا أمير المؤمنين، إن المدينة أرضٌ العيش فيها شديد، ولا نرى طعامك يعشّي، ولا يؤكل، وإنا بأرض ذات ريف، وإن أميرنا يعشّي، وإن طعامه يؤكل، فنكس عمر ساعة ثم رفع رأسه فقال: قد فرضت لكم من بيت المال شاتين وجريبين، فإذا كان بالغداة فضع إحدى الشاتين على أحد الجريبين فكل أنت وأصحابك، ثم ادع بشراب فاشرب يعني الشراب الحلال، ثم اسق الذي عن يمينك، ثم الذي يليه. ثم قم لحاجتك، فإذا كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك، ثم ادع بشراب، فاشرب يعني الشراب الحلال ثم اسق الذي عن يمينك ثم الذي يليه، ثم قم لحاجتك. فإن كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك ألا وأشبعوا الناس في بيوتهم، وأطعموا عيالهم، فإنّ تحفينكم للناس لا يحسّن أخلاقهم، ولا يشبع جائعهم، ووالله مع ذلك ما أظن رستاقاً يؤخذ منه كل يوم شاتان وجريبان إلا يسرع ذلك في خرابه.
وعن الربيع بن زياد أنه وفد على عمر بن الخطاب فأعجبه هيئته، فشكا عمر وجعاً به من طعام غليظ يأكله، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيب، وملبس لين، ومركب وطيء لأنت، وكان متكئاً وبيده جريدة نخل، فاستوى جالساً، فضرب به رأس الربيع بن زياد وقال: ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب فيك خيراً. ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء؟ إنما مثلنا كمثل قوم سافروا، فدفعوا نفقتهم إلى رجل منهم فقالوا: أنفق علينا، فهل له أن يستأثر عليهم بشيء؟ قال: لا.
كان عمر بن الخطاب يقول: والله ما نعبأ بلذاذة العيش بأن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا، ونأمر بلباب الحنطة فتخبز لنا، ونأمر بالزبيب، فينبذ لنا، حتى إذا صار

الصفحة 329