كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

مثل عين اليعقوب أكلنا هذا، وشربنا هذا، ولكن نريد أن نستبقي طيباتنا، لأنا سمعنا الله تعالى يذكر قوماً فقال: " أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها ".
دخل عمر على عاصم بن عمر وهو يأكل لحماً فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا إليه، فقال: أو كلّما قرمت إلى شيء أكلته؟ كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كلّ ما اشتهى.
وعن أبي نافع قال: قال لي أبو أحمد بن جحش ليلة بعد المغرب: أي بني، اذهب بي إلى عمر بن الخطاب فعرفت أنه يريد العشاء، فذهبت به، فاستأذن على عمر، فأذن له، فأجلسه عند رأسه، وجلست خلفهما، فدعا صاحب طعامه، فقال: أتبغي لأبي أحمد شيئاً يتعشى؟ فقال: لا والله، ما عندي شيء، قال: ولو رغيفين، فقال بأصبعه: لا والله، ولا رغيف، قال: فالشاة التي ذبحتم اليوم، بقي عندكم منها شيء؟ قال: لا، لقد أكلتموها، قال: فرأسها، ما فعل؟ قال: قد أكلوه. قال: فالجمجمة؟ قال: هو ذيك مطروحة. قال: فائتني بها، فأتي بالجمجمة قد أكل لحمها، وعلى اليافوخ جلدة يابسة سوداء، قال: فجعل عمر يقشرها، فيناولها، فيلوكها، وهو شيخ كبير، ثم التفت إلي فقال: يا بني، إذا أردت أن تأتينا بمولاك فائتنا به قبل أن نتعشى، فإنا إذا تعشينا لم يكن عندنا شيء.
قال عمر بن الخطاب يوماً:
لقد خطر على قلبي شهوة الحيتان الطري، قال: فيرتحل يرفا راحلة له. فسار ليلتين إلى الجار مدبراً وليلتين مقبلاً، واشترى مكتلاً، فجاءه به. قال: ويعمد يرفا إلى الراحلة، فغسلها، فأتى عمر وقال: انطلق حتى أنظر إلى الراحلة، فنظر ثم قال:

الصفحة 330