كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

قلنسوة ولا عمامة، قد طبّق رجليه بين شعبتي رحله، بلا ركاب، وطاؤه كساء أنبجاني من صوف، هو وطاؤه إذا ركب، وفراشه إذا نزل، حقيبته محشوة ليفاً، وهي حقيبته إذا ركب، ووسادته إذا نزل، عليه قميص من كرابيس قد دسم، وتخرق جيبه، فقال: ادعوا لي رأس القرية، فدعوا له فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه، وأعيروني قميصاً أو ثوباً، فأتي بقميص كتان، فقال: ما هذا؟ قالوا: كتان، قال: وما الكتان؟ فأخبروه، فنزع قميصه، فغسل، ورقع، ولبسه فقال له رأس القرية: أنت ملك العرب، وهذه بلاد لا تصلح بها الإبل، فأتي ببرذون، فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل فركبه. فلما سار هنيهة قال: احبسوا، احبسوا، ما كنت أظن الناس يركبون الشيطان، هاتوا جملي، فأتي بجمله فركبه.
قال علقمة بن عبد الله المري: أتي عمر بن الخطاب برذون، فقال: ما هذا؟ فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذه دابة لها وطاة ولها هبّة، ولها جمال تركبه العجم، فقام فركبه. فلما سار هزّ منكبيه فقال: قبح الله هذا، بئس الدابة هذا، فنزل عنه.
قال مجاهد: أنفق عمر بن الخطاب في حجة حجها ثمانين درهماً من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى المدينة، ثم جعل يتلهف، ويضرب بيده على الأخرى، ويقول: ما أخلقنا أن نكون قد أسرفنا من مال الله تعالى.
دخل عبد الرحمن على أم سلمة رضي الله عنها فقالت: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت أبداً، فخرج عبد الرحمن من عندها مذعوراً حتى

الصفحة 333