كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

شغله بعض الأمر حتى طلع نجمان. فلما فرغ من صلاته تلك أعتق رقبتين.
وعن ابن عباس قال: كان الحر بن قيس بن حصن من القراء الذين يدنيهم عمر وكان القراء أهل مجلس عمر شباباً كانوا أو شيوخاً فقدم عيينة بن حصن فقال للحر بن قيس: يا بن أخي، ألك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ فقال: سأستأذن لك عليه، فاستأذن له عمر. فلما دخل عليه قال: والله يا عمر ما تعطينا لاجزل، ولا تحكم فينا بالعدل، قال: فغضب عمر حتى همّ أن يقع به، فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يقول: " وأعرض عن الجاهلين " وإن هذا من الجاهلين. قال: فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى.
قال مزيدة بن قعنب الرهاوي: كنا عند عمر بن الخطاب إذ جاءه قوم، فقالوا له: إن لنا إماماً يصلي بنا العصر، فإذا صلى صلاته تغنى بأبيات، فقال عمر: قوموا بنا إليه، فاستخرجه عمر من منزله فقال: إنه بلغني أنك تقول أبياتاً إذا قضيت صلاتك، فأنشدنيها، فإن كانت حسنة قتلها معك، وإن كانت قبيحة نهيتك عنها، فقال الرجل: الرمل
وفؤادي كلما نبّهته ... عاد في اللذات يبغي تعبي
لا أراه الدهر إلا لاهياً ... في تماديه فقد برّح بي
يا قرين السّوء ما هذا الصّبا ... فني العمر كذا باللعب
وشباب بان مني فمضى ... قبل أن أقضي منه أربي
ما أرجيّ بعده إلا الفنا ... ضيّق الشيب عليّ مطلبي
نفس لا كنت ولا كان الهوى ... اتقي المولى وخافي وارهبي
فقال عمر: نعم نفس لا كنت ولا كان الهوى وهو يبكي ويقول: اتقي الله وخافي وارهبي. ثم قال عمر: من كان منكم متغنياً فليغن هكذا.

الصفحة 335