كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

ولما كان يوم الجمل نادى علي في الناس: لا ترموا أحداً بسهم، ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف، وكلموا القوم، فإن هذا مقام من فلح يوم القيامة، قال: فتواقفنا حتى أتانا جرّ الحديد، ثم إن القوم نادوا: يا جمع، يا لثارات عثمان، قال: وابن الحنفيّة أمامنا ربوة، معه اللواء. قال: فنادى علي: يا بن الحنفية، ما يقولون؟ فأقبل علينا بعرض وجهه فقال: يا أمير المؤمنين، يثولون: يا لثارات عثمان، قال: فمدّ علي يديه وقال: اللهم أكبّ قتلة عثمان لوجوههم، قال: فقال: سحما فعل والله ذلك، كأنه يقول: إن القوم كانوا أولى بقتل عثمان من علي، ثم إن الزبير قال لأساودة كانوا معه: قال: ارموهم، ترشون، لا تبلغوا، وكأنه إنما أراد أن ينشب القتال، قال: فما نظر أصحابنا إلى النشاب لم ينتظروا أن يقع على الأرض وحملوا، قال: فهزمهم الله، ورمى مروان طلحة بسهم فشك ساقه بجنب فرسه، فقمص به الفرس، وعليه بحربةٍ، فانطلق به، قال: فالتفت مروان إلى أبا عثمان وهو معه، فقال: قد كفيتك أحد قتلة أبيك.
قال أبو حزم المازني: شهدت علياً والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير، أنشدك بالله، أسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنك تقاتلني وفي رواية: تقاتل وأنت ظالم لي؛ قال: نعم، ولم أذكر إلا في موقفي هذا، ثم انصرف.
وعن أبي بكرة قال: لما اشتد القتال يوم الجمل، ورأى علي الرؤوس تندر أخذ الحسن ابنه، فضمه إلى صدره ثم قال: إن لله، يا حسن، أيّ خير يرجى بعد هذا؟.
وعن قيس بن عباد قال: قال علي يوم الجمل: يا حسن، يا حسن، ليت أباك مات مذ عشرين سنة، قال له: يا أبه، قد كنت أنهاك عن هذا، قال: يا بني، إني لم أر أن الأمر يبلغ هذا.

الصفحة 48